فصل: 1708- باب ما جَاءَ في كَرَاهِيَةِ قِيَامِ الرّجُلِ لِلرجّل

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي للمباركفوري ***


الجزء الثامن

1695- باب مَا جَاءَ في مَرْحَبا

2807- حدثنا إسْحَاقُ بنُ مُوسَى اْلأَنْصَارِيّ، حدثنا مَعْنٌ، حدثنا مَالِكٌ عن أَبي النّضْرِ‏:‏ أَنّ أَبَا مُرّةَ مَوْلَى أُمّ هَانِئ بِنْتِ أَبي طَالِبٍ أَخْبَرَهُ أَنّهُ سَمِعَ أُمّ هَانِئ تَقُولُ‏:‏ ‏"‏ذَهَبْتُ إلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم عَامَ الْفَتْحِ فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ وَفَاطِمَةُ تسْتُرُهُ بِثَوْبٍ، قَاَلَتْ‏:‏ فَسَلّمْتُ، فَقَالَ‏:‏ ‏"‏مَنْ هَذِهِ‏"‏‏؟‏ قلت‏:‏ أَنَا أُمّ هَانِئ، فَقَالَ‏:‏ ‏"‏مَرْحَبَاً بِأُمّ هَانِئ‏"‏ قال‏:‏ فَذَكَرَ في الْحَدِيثِ قصة طويلة‏.‏

هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

2808- حدثنا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ وَغَيْرُ وَاحِدٍ، قَالُوا‏:‏ أَخْبَرَنَا مُوسَى بنُ مَسْعُودٍ عن سُفْيَانَ عَنْ أَبي إسْحَاقَ عَنْ مُصْعَبِ بنِ سَعْدٍ عَن عِكْرِمَةَ ابنِ أبيِ جَهْلٍ، قَالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَوْمَ جِئْتِهُ‏:‏ ‏"‏مَرْحَبَاً بِالرّاَكِبِ المُهَاجِرِ‏"‏‏.‏

وفي البابِ عن بُرَيْدَةَ وَابنِ عَبّاسٍ وَأَبي جُحَيْفَةَ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ وَهذا حديثٌ لَيْسَ إسْنَادُهُ بِصَحِيحٍ لاَ نَعْرِفُهُ مِثْلَ هَذَا إلاَ مِنْ هذا الوجه مِنْ حَدِيثِ مُوسَى بنِ مَسْعُودٍ عن سُفْيَانَ، وَمُوسَى بنُ مَسْعُودٍ ضَعِيفٌ فِي الْحَدِيثِ‏.‏ وَرَوَى هذا الحديث عَبْد الرّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍ عن سفيَانَ عن أَبي إسْحَاقَ مُرْسَلاً، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ عن مُصْعَبِ بنِ سَعْدٍ‏.‏ وَهَذَا أَصَحّ قال‏:‏ سَمِعْتُ مُحمّدَ بنَ بَشّارٍ يَقُولُ‏:‏ مُوسَى بنُ مَسْعُودٍ ضَعِيفٌ فِي الْحَدِيثِ‏.‏ وقالَ‏:‏ مُحمّدُ بنُ بَشّار، وَكَتَبْتُ كَثِيراً عن مُوسَى بنِ مَسْعُودٍ ثُمّ تَرَكْتُهُ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي النضر‏)‏ اسمه سالم بن أبي أمية ‏(‏أنه سمع أم هانئ‏)‏ بنت أبي طالب الهاشمية اسمها فاختة، وقيل هند، لها صحبة وأحاديث، ماتت في خلافة معاوية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفاطمة تستره‏)‏ أي عنها وعن غيرها ‏(‏قال مرحباً بأم هانئ‏)‏ الباء إما زائدة في الفاعل، أي أتت أم هانئ‏.‏ مرحباً أي موضعاً رحباً، أي واسعاً لا ضيقاً أو للتعدية أي أتى الله بأم هانئ مرحباً فمرحباً منصوب على المفعول به، هذه كلمة إكرام والتكلم بها سنة ‏(‏فذكر قصة في الحديث‏)‏ روى الشيخان هذا الحديث مطولاً بذكر القصة‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا موسى بن مسعود‏)‏ النهدي أبو حذيفة البصري صدوق سيء الحفظ، وكان يصحف من صغار التاسعة ‏(‏عن سفيان‏)‏ هو الثوري ‏(‏عن عكرمة ابن أبي جهل‏)‏ بن هشام المخزومي صحابي أسلم يوم الفتح وحسن إسلامه واستشهد بالشام في خلافة أبي بكر على الصحيح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يوم جئته‏)‏ أي عام الفتح، وزاد مالك في الموطأ‏:‏ فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم وثب إليه فرحاً وما عليه رداء حتى بايعه ‏(‏مرحباً‏)‏ مقول القول، أي جئت مرحباً أي موضعاً واسعاً قال الحافظ‏:‏ هو منصوب بفعل مضمر أي صادفت رحباً بضم الراء أي سعة، والرحب بالفتح الشيء الواسع وقد يزيدون معها أهلاً، أي وجدت أهلاً فاستأنس، وأفاد العسكري أن أول من قال مرحباً سيف بن ذي يزن، وفيه دليل على استحباب تأنيس القادم، وقد تكرر ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم ‏(‏بالراكب المهاجر‏)‏ أي إلى الله ورسوله أو من دار الحرب إلى دار الإسلام، وفيه إشعار بأن قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لا هجرة بعد الفتح‏"‏‏:‏ أي من مكة لأنها صارت دار الإسلام، بخلاف ما قبل الفتح فإن الهجرة كانت واجبة بل شرطاً، وأما الهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام فوجوبها باق إلى يوم القيامة‏.‏ قال صاحب المشكاة في الإكمال‏:‏ هو عكرمة بن أبي جهل، واسم أبي جهل عروة بن هشام المخزومي القرشي، كان شديد العداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم هو وأبوه، وكان فارساً مشهوراً وهرب يوم الفتح فلحق باليمن فلحقت به امرأته أم حكيم بنت الحارث فأتت به النبي صلى الله عليه وسلم فلما رآه قال‏:‏ ‏"‏مرحباً بالراكب المهاجر‏"‏ فأسلم بعد الفتح سنة ثمان وحسن إسلامه وقتل يوم اليرموك سنة ثلاث عشرة وله اثنتان وستون سنة‏.‏ قالت أم سلمة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏رأيت لأبي جهل عذفاً في الجنة‏"‏، فلما أسلم عكرمة قال يا أم سلمة هذا هو، قالت وشكا عكرمة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه إذا مر بالمدينة قالوا هذا ابن عدو الله أبي جهل، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيباً فحمد الله وأثنى عليه وقال‏:‏ ‏"‏الناس معادن خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا‏"‏، انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن بريدة وابن عباس وأبي جحيفة‏)‏ أما حديث بريدة فأخرجه ابن أبي عاصم عنه‏:‏ أن علياً لما خطب فاطمة قال له النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏مرحباً وأهلاً‏"‏‏.‏ وهو عند النسائي، وصححه الحاكم‏.‏ وأما حديث ابن عباس فأخرجه البخاري في كتاب الإيمان والأشربة والأدب، وأما حديث أبي جحيفة فلينظر من أخرجه، وفي الباب أحاديث أخرى أخرجها ابن أبي عاصم وابن السني كما في الفتح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وهذا حديث ليس إسناده بصحيح‏)‏ وأخرجه مالك في الموطأ عن ابن شهاب عن أم حكيم زوج عكرمة بن أبي جهل مطولاً‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏موسى بن مسعود ضعيف في الحديث‏)‏ قال في تهذيب التهذيب وقال الدارقطني قد أخرج له البخاري وهو كثير الوهم تكلموا فيه‏.‏

قال الحافظ‏:‏ ماله عند البخاري عن سفيان سوى ثلاثة أحاديث متابعة، وله عنده آخر عن زائدة متابعة أيضاً انتهى‏.‏

1696- باب ما جاءَ في تَشْمِيتِ العَاطِس

التشميت‏:‏ جواب العاطس بيرحمك الله‏.‏ قال في النهاية‏:‏ التشميت بالمشين والسين الدعاء بالخير والبركة والمعجمة أعلاهما، يقال شمت فلاناً وشمت عليه تشميتاً فهو مشمت واشتقاقه من الشوامت وهي القوائم، كأنه دعا للعاطس بالثبات على طاعة الله تعالى، وقيل معناه أبعدك الله عن الشماتة وجنبك ما يشمت به عليك، انتهى

2809- حدثنا هَنّادٌ حدثنا أَبُو اْلأَحْوَصِ عن أَبي إِسْحَاقَ، عن الْحَارِثِ عن عَلِيٍ قَالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لِلْمُسْلِمِ عَلَى المُسْلِمِ سِتٌ بِالمَعْرُوفِ‏:‏ يُسَلّمُ عَلَيْهِ إِذَا لَقِيَهُ، وَيُجيِبُهُ إذَا دَعَاهُ، وَيُشَمّتُهُ إذَا عَطَسَ وَيَعُودُهُ إذَا مَرِضَ، وَيَتّبِعُ جَنَازَتَهُ إذَا مَاتَ، وَيُحِبّ لَهُ مَا يُحِبّ لِنَفْسِهِ‏"‏‏.‏

وفي البابِ عن أَبي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي أَيّوبَ وَالبَرَاءِ، وَابِن مَسْعُودٍ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ وقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ تَكَلّمَ بَعْضُهُمْ في الْحَارِثِ اْلأَعْوَرِ‏.‏

2810- حدثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ، أَخْبَرَنَا محمدُ بنُ مُوسَى المَخْزُومِيّ المَدِنِيّ عن سَعِيدِ بنِ أَبي سَعِيدٍ المَقْبُرِيّ، ‏(‏عن أبِيهِ‏)‏ عن أَبي هُرَيْرَةَ قالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لِلْمُؤْمِنِ عَلَى الْمُؤمِنِ سِتّ خِصَالٍ‏:‏ يَعُودُهُ إِذَا مَرِضَ، وَيَشْهَدُهُ إذَا مَاتَ، وَيُجِيبُهُ إذَا دَعَاهُ، وَيُسَلّمُ عَلَيْهُ إذَا لَقِيهُ، وَيُشَمّتْهُ إذَا عَطَسَ، وَيَنْصَحُ لَهُ إذَا غَابَ أَوْ شَهِدَ‏"‏‏.‏

قال‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وَمُحمّدُ بنُ مُوسَى المَخْزُوميّ مَدِنِيٌ ثِقَةٌ، رَوَى عَنْهُ عَبْدُ الْعَزيزِ بنُ مُحَمّدٍ وَابنُ أَبي فُدَيْكٍ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن الحارث‏)‏ عن عبد الله الأعور الهمداني الحارثي الكوفي صاحب علي كذبه الشعبي في رأيه ورمي بالرفض وفي حديثه ضعف وليس له عند النسائي سوى حديثين، مات في خلافه ابن الزبير، قاله الحافظ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏للمسلم على المسلم ست بالمعروف‏)‏ صفة بعد صفة لموصوف محذوف يعني المسلم على المسلم خصال ست متلبسة بالمعروف، وهو ما يرضاه الله من قول أو عمل، ويحتمل أن يكون الباء بمعنى من ‏(‏يسلم عليه‏)‏ جملة استئنافية مبينة أو تقديره أن يسلم عليه أي على المسلم سواء عرفه أو لم يعرفه ‏(‏ويجيبه إذا دعاء‏)‏ أي إلى دعوة أو حاجة ‏(‏ويشمته‏)‏ بالشين المعجمة وتشديد الميم أي يدعو له بقوله يرحمك الله ‏(‏إذا عطس‏)‏ بفتح الطاء ويكسر على ما في القاموس، يعني فحمد الله كما في رواية ‏(‏ويتبع‏)‏ بتشديد التاء عن الاتباع، ويجوز أن يكون بسكونها وفتح الموحدة أي يشهد ويشيع ‏(‏جنازته‏)‏ بكسر الجيم ويفتح ‏(‏ويحب له ما يحب‏)‏ أي مثل ما يحب ‏(‏لنفسه‏)‏ من الخير، وهذا فذلكة الكل، ولذا اقتصر عليه في حديث أنس مرفوعاً برواية أحمد وأصحاب الست إلا أبا داود‏:‏ ‏"‏لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه‏"‏‏.‏ ووقع في حديث البراء بن عازب الذي أشار إليه الترمذي‏:‏ أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بسبع ونهانا عن سبع‏:‏ أمرنا بعيادة المريض واتباع الجنازة وتشميت العاطس الحديث‏.‏ قال الحافظ في شرح هذا الحديث ما لفظه‏:‏ قال ابن دقيق العيد ظاهر الأمر الوجوب، ويؤيده قوله في حديث أبي هريرة الذي في الباب الذي يليه‏:‏ فحق على كل مسلم سمعه أن يشمته‏.‏ وفي حديث أبي هريرة عن مسلم‏:‏ حق المسلم على المسلم ست، فذكر فيها‏:‏ وإذا عطس فحمد الله فشمته‏.‏ وللبخاري من وجه آخر عن أبي هريرة خمس تجب للمسلم على المسلم فذكر منها التشميت وهو عند مسلم أيضاً، وفي حديث عائشة عند أحمد وأبي يعلى‏:‏ ‏"‏إذا عطس أحدكم فليقل الحمد لله وليقل من عنده يرحمك الله‏"‏‏.‏ وقد أخذ بظاهرها ابن مزين من المالكية، وقال به جمهور أهل الظاهر‏:‏ وقال ابن أبي جمرة‏.‏ قال جماعة من علمائنا إنه فرض عين‏.‏ وقواه ابن القيم في حواشي السنن فقال‏:‏ جاء بلفظ الوجوب الصريح وبلفظ الحق الدال عليه وبلفظ على الظاهرة فيه وبصيغة الأمر التي هي حقيقة فيه، ويقول الصحابي‏:‏ أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ قال لا ريب أن الفقهاء أثبتوا وجوب أشياء كثيرة بدون مجموع هذه الأشياء، وذهب آخرون إلى أنها فرض كفاية إذا قام به البعض سقط عن الباقين، ورجحه أبو الوليد بن رشد وأبو بكر بن العربي‏.‏ وقال به الحنفية وجمهور الباقين، وذهب عبد الوهاب وجماعة من المالكية إلى أنه مستحب ويجزيء الواحد عن الجماعة، وهو قول الشافعية‏.‏ والراجح من حيث الدليل القول الثاني والأحاديث الصحيحة الدالة على الوجوب لا تنافي كونه على الكفاية، فإن الأمر بتشميت العاطس وإن ورد في عموم المكلفين ففرض الكفاية يخاطب به الجميع على الأصح ويسقط بفعل البعض، وأما من قال إنه فرض على مبهم، فإنه ينافي كونه فرض عين انتهى كلام الحافظ‏.‏ وقال ابن القيم في زاد المعاد بعد ذكر عدة أحاديث التشميت ما لفظه‏:‏ وظاهر الحديث المبدوء به‏.‏ ‏(‏يعني حديث أبي هريرة عند البخاري‏:‏ إن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب، فإذا عطس فحمد الله فحق على كل مسلم سمعه أن يشمته الحديث‏)‏ إن التشميت فرض عين على كل من سمع العاطس يحمد الله ولا يجزئ تشميت الواحد عنهم، وهذا أحد قولي العلماء، واختاره ابن أبي زيد وابن العربي المالكي ولا دافع له انتهى‏.‏

قلت‏:‏ الظاهر ما قاله ابن القيم والله تعالى أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أبي هريرة وأبي أيوب والبراء وأبي مسعود‏)‏، وأما حديث أبي هريرة فأخرجه الترمذي في هذا الباب، وأما حديث أبي أيوب فأخرجه أيضاً الترمذي في باب كيف يشمت العاطس، وأما حديث البراء فأخرجه البخاري ومسلم، وأما حديث أبي مسعود وهو ابن عقبة الأنصاري فأخرجه أحمد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن‏)‏ وأخرجه أحمد وابن ماجه والدارمي ‏(‏وقد تكلم بعضهم في الحارث الأعور‏)‏ إن شئت الوقوف على من تكلم فيه فارجع إلى تهذيب التهذيب ومقدمة صحيح مسلم وشرحه للنووي‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا محمد بن موسى المخزومي المديني‏)‏ الفطري، صدوق، رمي بالتشيع من السابعة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ويشهده‏)‏ أي ويحضر وقت نزعه ‏(‏إذا مات‏)‏ أي قرب موته أو يحضر زمان الصلاة على جنازته إذا مات وهو الأظهر ‏(‏وينصح له‏)‏ أي يريد الخير للمؤمن ويرشده إليه ‏(‏إذا غاب‏)‏ أي كل منهما ‏(‏أو شهد‏)‏ أي حضر وأو للتنويع‏.‏ وحاصله أنه يريد خيره في حضوره وغيبته، فلا يتملق في حضوره ويغتاب في غيبته فإن هذا صفة المنافقين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث صحيح‏)‏ وأخرجه مسلم بلفظ‏:‏ حق المسلم على المسلم ست، قيل ما هن يا رسول الله‏؟‏ قال ‏"‏إذا لقيته فسلم عليه، وإذا دعاك فأجبه‏.‏ وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عطس فحمد الله فشمته، وإذا مرض فعده، وإذا مات فاتبعه‏"‏‏.‏

1697- باب مَا يَقُولُ الْعَاطِسُ إِذَا عَطَس

اعلم أن العطاس نعمة من نعم الله، فلا بد للعاطس إذا عطس أن يحمد الله تعالى‏.‏ قال الحافظ ابن القيم في زاد المعاد‏:‏ العاطس قد حصلت له بالعطاس نعمة ومنفعة بخروج الأبخرة المحتقنة في دماغه التي لو بقيت فيه أحدثت له أدواء عسرة، شرع له حمد الله على هذه النعمة، مع بقاء أعضائه على التئامها وهيئتها على هذه الزلزلة التي هي للبدن كزلزلة الأرض لها انتهى

2811- حدثنا حْمَيْدُ بنُ مَسْعَدَةَ، أخبرنا زِيَادُ بنُ الرّبيعِ، أخبرنا حَضْرَمِيٌ مَوْلَى من آلِ الْجَارُودِ عن نَافِعٍ‏:‏ ‏"‏أَنّ رَجُلاً عَطَسَ إِلَى جَنْبِ ابنِ عُمَرَ، فَقَالَ‏:‏ الْحَمْدُ لله وَالسّلاَمُ عَلَى رَسُولِ الله، فقال ابنُ عُمَرَ‏:‏ وَأَنَا أَقُولُ الْحَمْدُ لله وَالسّلاَمُ عَلَى رَسُولِ الله، وَلَيْسَ هَكَذَا عَلّمَنَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ عَلّمْنَا أَنْ نَقُولَ الْحَمْدُ لله عَلَى كُلّ حالٍ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ غريبٌ لاَ نَعْرِفُهُ إِلا مِنْ حَدِيثِ زِيَادِ بنِ الرّبيعِ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا زياد بن الربيع‏)‏ هو أبو خداش اليحمدي البصري ‏(‏أخبرنا حضرمي‏)‏ بسكون المعجمة بلفظ النسبة ابن عجلان مولى الجارود، مقبول من السابعة كذا في التقريب‏.‏ وقال في تهذيب التهذيب في ترجمته‏:‏ روى عن نافع مولى ابن عمر، وعنه زياد بن الربيع اليحمدي وغيره، ذكره ابن حبان في الثقات‏.‏ روى له الترمذي حديثاً فيما يقوله العاطس، انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن رجلاً عطس إلى جنب ابن عمر‏)‏ أي منتهياً جلوسه إلى جنبه ‏(‏فقال‏)‏ أي العاطس ‏(‏الحمد لله والسلام على رسول الله‏)‏ يحتمل أن يكون من جهله بالحكم الشرعي، أو ظن أنه يستحب زيادة السلام عليه لأنه من جملة الأذكار ‏(‏فقال‏)‏ أي كما ‏(‏ابن عمر وأنا أقول‏)‏ تقول أيضاً ‏(‏الحمد لله والسلام على رسول الله‏)‏ لأنهما ذكران شريفان كل أحد مأمور بهما، لكن لكل مقام مقال، وهذا معنى قوله ‏(‏وليس هكذا علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ بأن يضم السلام مع الحمد عند العطسة بل الأدب متابعة الأمر من غير زيادة ونقصان من تلقاء النفس إلا بقياس جلي ‏(‏علمنا أن نقول الحمد لله على كل حال‏)‏ فالزيادة المطلوبة إنما هي المتعلقة بالحمدلة سواء ورد أو لا، وأما زيادة ذكر آخر بطريق الضم إليه فغير مستحسن، لأن من سمع ربما يتوهم أنه من جملة المأمورات‏.‏ وفي الحديث أنه يقول‏:‏ العاطس الحمد لله على كل حال، وعند الطبراني من حديث أبي مالك الأشعري رفعه‏:‏ إذا عطس أحدكم فليقل الحمد لله على كل حال‏.‏ ومثله عند أبي داود من حديث أبي هريرة، وللنسائي من حديث علي رفعه يقول العاطس‏:‏ الحمد لله على كل حال‏.‏ ولابن السني من حديث أبي أيوب مثله، ولأحمد والنسائي من حديث سالم بن عبيد رفعه‏:‏ إذا عطس أحدكم فليقل الحمد لله على كل حال، أو الحمد لله رب العالمين، وإليه ذهبت طائفة من أهل العلم، وقالت طائفة إنه لا يزيد على الحمد لله كما في حديث أبي هريرة، عند البخاري‏:‏ إذا عطس أحدكم فليقل الحمد لله الحديث، وقالت طائفة يقول‏:‏ الحمد لله رب العالمين‏.‏ ورد ذلك في حديث لابن مسعود‏.‏ أخرجه البخاري في الأدب المفرد والطبراني وورد الجمع بين اللفظين، فعنده في الأدب المفرد عن علي قال‏:‏ من قال عند عطسة سمعها الحمد لله رب العالمين على كل حال ما كان ليجد وجع الضرس ولا الأذن أبداً‏.‏ وهذا موقوف رجاله ثقات، ومثله لا يقال من قبل الرأي فله حكم الرفع، وقالت طائفة ما زاد من الثناء يتعلق بالحمد كان حسناً، فقد أخرج أبو جعفر الطبري في التهذيب بسند لا بأس به عن أم سلمة قالت‏:‏ عطس رجل عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال الحمد لله، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏يرحمك الله‏"‏‏.‏ وعطس آخر فقال‏:‏ الحمد لله رب العالمين حمداً طيباً كثيراً مباركاً فيه، فقال‏:‏ ارتفع هذا على هذا تسع عشرة درجة‏.‏ ويؤيد ما أخرجه الترمذي وغيره من حديث رفاعة بن رافع قال‏:‏ صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم فعطست فقلت‏:‏ الحمد لله حمداً طيباً مباركاً فيه، مباركاً عليه كما يحب ربنا ويرضى فلما انصرف قال‏:‏ من المتكلم ثلاثاً، فقلت أنا، فقال ‏"‏والذي نفسي بيده لقد ابتدرها بضعة وثلاثون ملكاً أيهم يصعد بها‏"‏‏.‏ وأخرجه الطبراني وبين أن الصلاة المذكورة المغرب وسنده لا بأس به، وأخرج ابن السنن بسند ضعيف عن أبي رافع قال‏:‏ كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فعطس فخلى يدى، ثم قام فقال شيئاً لم أفهمه، فسألته فقال‏:‏ ‏"‏أتاني جبريل فقال‏:‏ إذا أنت عطست فقل الحمد لله لكرمه، الحمد لله لعز جلاله‏.‏ فإن الله عز وجل يقول صدق عبدي ثلاثاً مغفوراً له‏"‏‏.‏ قال الحافظ في الفتح بعد ذكر هذا كله ما لفظه‏:‏ ونقل ابن بطال عن الطبراني‏.‏ أن العاطس يتخير بين أن يقول الحمد لله أو يزيد رب العالمين أو على كل حال، والذي يتحرر من الأدلة أن كل ذلك مجزئ لكن ما كان أكثر ثناء أفضل، بشرط أن يكون مأثوراً‏.‏ وقال النووي في الأذكار‏:‏ اتفق العلماء على أنه يستحب للعاطس أن يقول عقب عطاسه الحمد لله، ولو قال الحمد لله رب العالمين لكان أحسن، فلو قال الحمد لله على كل حال كان أفضل، كذا قال‏.‏ والأخبار التي ذكرتها تقتضي التخيير ثم الأولوية كما تقدم انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب‏)‏ وأخرجه البزار والطبراني‏.‏

1698- باب مَا جَاءَ كَيْفَ تَشْمِيتُ الْعَاطِس

2812- حدثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ، أخبرنا عَبْد الرّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍ أخبرنا سُفْيَانُ عن حَكِيمِ بنِ دَيْلَمَ عن أَبي بُرْدَةَ بنِ أَبي مُوسَى، عن أَبي مُوسَى قالَ‏:‏ ‏"‏كَانَ اليَهُودُ يَتَعَاطَسُونَ عِنْدَ النبيّ صلى الله عليه وسلم يَرّجُونَ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ يَرحَمُكُمْ الله، فَيَقُولُ‏:‏ ‏"‏يَهْدِيكْمُ الله وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ‏"‏‏.‏

وفي البابِ عن عَليٍ وَأَبي أَيّوبَ وَسَالِمِ بنِ عُبَيْدٍ وعَبْدِ الله بنِ جَعْفَرٍ وَأَبي هُرَيْرَةَ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

2813- حدثنا مَحْمُودُ بنُ غَيْلاَنَ، أخبرنا أَبُو أَحْمَدَ الزبيري، أخبرنا سُفْيَانُ عن مَنْصُورٍ، عن هِلاَلِ بنِ يَسَافٍ، عن سَالِمِ بنِ عُبَيْدٍ‏:‏ ‏"‏أَنّهُ كَانَ مَعَ الْقَوْمِ في سَفَرٍ، فَعَطَسَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ فَقَالَ‏:‏ السّلاَمُ عَلَيْكُمْ، فَقَالَ‏:‏ عَلَيْكَ وَعَلى أُمّكَ‏.‏ فَكَأَنّ الرّجُلَ وَجَدَ فِي نَفْسِهِ، فَقَالَ‏:‏ أَمَا إِنّي لَمْ أَقُلْ إِلاَ مَا قالَ النبيّ صلى الله عليه وسلم عَطَسَ رَجُلٌ عِنْدَ النبيّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ السّلامُ عَلَيْكُمْ، فَقَالَ النبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏عَلَيْكَ وَعَلَى أُمّكَ، إِذَا عَطَسَ أَحَدَكُمْ فَلْيَقُلْ‏:‏ الْحَمْدُ لله رَبّ الْعَالَمِينَ، وَلْيَقُلْ لَهُ مَنْ يَرُدّ عَلَيْهِ‏:‏ يَرْحَمُكَ الله، وَلْيَقُلْ‏:‏ يَغْفِرُ الله لنا وَلَكُمْ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ اخْتَلَفُوا فِي رِوَايَتِهِ عن مَنْصُورٍ، وَقَدْ أَدْخَلُوا بَيْنَ هِلاَلِ ابنِ يَسَافٍ وسَالِمٍ رَجُلاً‏.‏

2814- حدثنا مَحْمُودُ بنُ غَيْلان، حدثنا أَبُو دَاودَ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، أَخْبَرَنِي ابنُ أَبي لَيْلَى عن أَخِيهُ عِيسَى بن عَبْد الرّحْمَنِ عن عبد الرحمن بنِ أَبي لَيْلَى، عن أَبي أَيّوبَ أَنّ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏إذَا عطس أحدكم فليقل‏:‏ الحمد لله على كل حال، وليقل الذي يرد عليه يَرْحَمُكَ الله، وَلْيَقُلْ هُوَ يَهْدِيكُمُ الله وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ‏"‏‏.‏

2815 ـحدثنا مُحمّدُ بنُ المثَنّى، أَخْبَرَنَاْ مُحمّدُ بنُ جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنَاْ شُعْبَةُ عن ابنِ لَيْلَى بِهَذَا الإِسْنَادِ نَحْوَهُ‏.‏

قال‏:‏ هَكَذَا رَوَى شُعْبَةُ هَذَا الْحَديثَ عن ابنِ أَبي لَيْلَى وَقَالَ عن أَبي أَيُوبَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏ وَكَانَ ابنُ أَبي لَيْلَى يَضْطَرِبُ في هَذَا الْحَدِيثِ، يَقُولُ أَحْيَاناً عن أَبي أَيّوبَ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، وَيَقُولُ أَحْيَاناً‏:‏ عن عَليٍ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏

2816- حدثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ وَ مُحمّدُ بنُ يَحْيَى الثّقَفِيّ المَرْوَزِيّ قالاَ، حدثنا يَحْيَىَ ابنُ سَعِيدٍ القَطّانُ، عن ابنِ أَبي لَيْلَى، عن أَخِيهِ عِيسَى، عن عَبْدِ الرّحْمَنِ بنِ أَبي لَيْلَى، عن عَلِيٍ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَهُ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا سفيان‏)‏ هو الثوري ‏(‏عن حكيم بن ديلم‏)‏ هو المدائني ‏(‏عن أبي بردة بن أبي موسى‏)‏ قال في التقريب أبو بردة بن أبي موسى الأشعري، قيل اسمه عامر، وقيل الحارث ثقة من الثالثة ‏(‏عن أبي موسى‏)‏ الأشعري اسمه عبد الله ابن قيس صحابي مشهور، أمره عمر ثم عثمان وهو أحد الحكمين بصفين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كان اليهود يتعاطسون‏)‏ أي يطلبون العطسة من أنفسهم ‏(‏يرجون‏)‏ أي يتمنون بهذا السبب ‏(‏فيقول‏)‏ أي النبي صلى الله عليه وسلم عند عطاسهم وحمدهم ‏"‏يهديكم الله ويصلح بالكم‏"‏ ولا يقول لهم يرحمكم الله، لأن الرحمة مختصة بالمؤمنين، بل يدعو لهم بما يصلح بالهم من الهداية والتوفيق والإيمان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن علي وأبي أيوب وسالم بن عبيد وعبيد الله بن جعفر وأبي هريرة‏)‏ أما حديث علي فأخرجه الطبراني، وأما حديث أبي أيوب وحديث سالم بن عبيد فأخرجهما الترمذي في هذا الباب، وأما حديث عبد الله بن جعفر فأخرجه البيهقي في الشعب، وأما حديث أبي هريرة فأخرجه البخاري عنه مرفوعاً‏:‏ ‏"‏إذا عطس أحدكم فليقل الحمد وليقل له أخوه أو صاحبه يرحمك الله، فإذا قال له يرحمك الله فليقل يهديكم الله ويصلح بالكم‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن‏)‏ صحيح، وأخرجه أبو داود والنسائي والحاكم وصححه‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا سفيان‏)‏ هو الثوري ‏(‏عن منصور‏)‏ هو ابن المعتمر ‏(‏عن سالم بن عبيد‏)‏ الأشجعي صحابي من أهل الصفة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أنه كان‏)‏ أي سالم بن عبيد ‏(‏فقال‏)‏ أي العاطس ‏(‏السلام عليكم‏)‏ ظناً أنه يجوز أن يقال بدل الحمد لله‏.‏ ذكره ابن الملك ‏(‏فقال‏)‏ أي سالم ‏(‏عليك‏)‏ وفي رواية أبي داود‏:‏ وعليك بالواو ‏(‏فكأن‏)‏ بتشديد النون ‏(‏الرجل‏)‏ أي العاطس ‏(‏وجد‏)‏ أي الكراهة أو الخجالة أو الحزن لما قال سالم ‏(‏في نفسه‏)‏ لكن لم يظهره وظهر عليه بعض آثاره، وقيل أي غضب أو حزن من الموجدة وهو الغضب أو الوجد وهو الحزن ‏(‏فقال‏)‏ أي سالم ‏(‏أما‏)‏ بالتخفيف للتنبيه ‏(‏إني لم أقل إلا ما قال النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ أي فأنا متبع لا مبتدع‏.‏‏.‏‏.‏ ‏"‏فقال النبي صلى الله عليه وسلم عليك وعلى أمك‏"‏ قال ابن ثقيم في زاد المعاد‏:‏ وفي السلام على أم هذا المسلم نكتة لطيفة، وهي إشعاره بأن سلامه قد وقع في غير موقعه اللائق به كما وقع هذا السلام على مه فكما أن هذا سلامه في غير موضعه فهكذا سلامه هو‏.‏ ونكتة أخرى ألطف منها وهي تذكيره بأمه ونسبته له إليها فكأنه أمي محض منسوب إلى الأم باق على تربيتها لم تربه الرجال انتهى ‏(‏وليقل له‏)‏ أي العاطس ‏"‏وليقل يغفر الله لي ولكم‏"‏ أي وليقل العاطس يغفر الله الخ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث اختلفوا في روايته عن منصور، وقد أدخلوا بين هلال ابن يساف وبين سالم رجلاً‏)‏ قال النذري في تلخيص السنن بعد نقل كلام الترمذي هذا ما لفظه‏:‏ وأخرجه النسائي أيضاً عن منصور عن رجل عن خالد ابن عرفطة عن سالم، وأخرجه أيضاً عن منصور عن رجل عن سالم ورواه مسدد عن يحيى القطان عن سفيان عن منصور عن هلال عن رجل من آل خالد بن عرفطة عن آخر منهم قال‏:‏ كنا مع سالم، ورواه زائدة عن منصور عن هلال عن رجل من أشجع عن سالم، ورواه عبد الرحمن بن مهدي عن أبي عوانة عن منصور عن هلال من آل عرفطة عن سالم‏.‏ واختلف على ورقاء فيه، فقال بعضهم خالد ابن عرفطة أو عرفجة ويشبه أن يكون خالد هذا مجهولاً، فإن أبا حاتم الرازي قال‏:‏ لا أعرف واحداً يقال له خالد بن عرفطة إلا واحداً الذي له صحبة انتهى كلام المنذري‏.‏ قلت‏:‏ وحديث سالم بن عبيد هذا أخرجه أبو داود من طريق أبي بشر ورقاء عن منصور عن هلال بن يساف عن خالد بن عرفجة عن سالم بن عبيد، وأخرجه أيضاً من طريق جرير عن منصور عن هلال بن يساف، قال كنا مع سالم بن عبيد الخ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرني ابن أبي ليلى‏)‏ اسمه محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يرحمك الله‏)‏ خبر معناه الدعاء ‏(‏وليقل هو‏)‏ أي العاطس ‏(‏يهديكم الله ويصلح بالكم‏)‏ البال القلب يقول فلان ما يخطر ببالي أي قلبي، والبال رخاء العيش، يقال فلان رخي البال أي واسع العيش، والبال الحال، يقول ما بالك أي حالك، والبال في الحديث يحتمل المعاني الثلاثة والأولى أن الحمل على المعنى الثالث أنسب لعمومه المعنيين الأوليين أيضاً كذا في المفاتيح، وروى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة مرفوعاً‏:‏ إذا عطس أحدكم فليقل الحمد لله، وليقل له أخوه أو صاحبه يرحمك الله، فإذا قال له يرحمك الله فليقل يهديكم الله ويصلح بالكم‏.‏ قال ابن بطال‏:‏ ذهب الجمهور إلى أنه يقول العاطس في جواب المشمت يهديكم الله ويصلح بالكم‏.‏ وذهب الكوفيون إلى أنه يقول يغفر الله لنا ولكم، وأخرجه الطبري عن ابن مسعود وابن عمر وغيرهما‏.‏ وذهب مالك والشافعي إلى أنه يتخير بين اللفظين انتهى وقيل يجمع بينهما‏.‏ قلت‏:‏ أصح ما ورد في جواب المشمت هو حديث أبي هريرة الذي رواه البخاري في صحيحه فإنه قال بعد تخريجه في الأدب المفرد‏:‏ وهذا أثبت ما يروى في هذا الباب‏.‏ وقال الطبري هو من أثبت الأخبار‏.‏ وقال البيهقي هو أصح شيء ورد في هذا الباب، وقد أخذ به الطحاوي من الحنفية، وهذا الحديث أخرجه الدارمي أيضاً‏.‏

1699- باب مَا جَاءَ في إِيِجَابِ التشْمِيتِ بِحَمْد العَاطِس

2817- حدثنا ابنُ أَبي عُمَرَ، حدثنا سُفْيَانُ عن سُلَيْمَانَ التّيمْيّ عن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ‏:‏ ‏"‏أَنّ رَجُلَيْنِ عَطَسَا عِنْدَ النبيّ صلى الله عليه وسلم فَشَمّتَ أَحَدَهُما وَلَمْ يُشَمّتِ الاَخَرَ، فَقَالَ الّذِي لَمْ يُشَمّتْهُ‏:‏ يَا رَسُولَ الله شَمّتّ هَذَا وَلَمْ تُشَمّتْنِي‏؟‏ فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إِنّهُ حَمِدَ الله وَإِنّكَ لَمْ تَحْمَد الله‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ وقد روي عن أَبي هُرَيْرَةَ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أن رجلين‏)‏ وفي حديث سهل بن سعد عن الطبراني أنهما عامر بن الطفيل وابن أخيه ‏(‏فشمت‏)‏ أي النبي صلى الله عليه وسلم ‏(‏أحدهما‏)‏ بالنصب على المفعولية ‏(‏شمت‏)‏ بتشديدتين ‏(‏ولم تشمتني‏)‏ أي ما الحكمة في ذلك ‏(‏إنه حمد الله وإنك لم تحمده‏)‏ فيه أن من عطس وحمد الله يستحق التشميت ومن عطس ولم يحمد الله لا يستحقه وروى مسلم عن أبي موسى مرفوعاً‏:‏ ‏"‏إذا عطس أحدكم فحمد الله فشمتوه وإن لم يحمد الله فلا تشمتوه‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان‏.‏

1700- باب مَا جَاءَ كَم يُشَمّتُ العَاطِس

2818- حدثنا سُوَيْدُ بن نصر، أخبرنا عَبْدُ الله، أَخْبَرَنَاْ عِكْرمَةُ بنُ عَمّار، عن إِياسِ بنِ سَلَمَةَ، عن أبيه قالَ‏:‏ ‏"‏عَطَسَ رَجُلٌ عِنْدَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وَأَنَا شاهِدٌ، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏يَرْحَمُكَ الله، ثمّ عَطَسَ الثّانيَةَ والثالثة‏.‏ فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏هَذَا رَجُلٌ مَزْكُومٌ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

- حدثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ، حدثنا يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ، حدثنا عِكْرِمَةُ بنُ عَمّارٍ، عن إِيَاسِ بنِ سَلَمَةَ، عن أَبِيهِ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَهُ، إِلاّ أَنّهُ قالَ له في الثّالِثَةِ أَنْتَ مَزْكُومٌ‏"‏‏.‏ قال‏:‏ هَذَا أَصَحّ مِنْ حَدِيثِ ابنِ المُبَارَكِ‏.‏ وَقَدْ رَوى شُعْبَةُ عن عِكْرِمَةَ بنِ عَمّارٍ هَذَا الْحَدِيثَ نَحْوَ رِوَايَةِ يَحْيَىَ بنِ سَعِيدٍ‏.‏

‏.‏‏.‏‏.‏- حدثنا بِذَلِكَ أَحْمَدُ بنُ الْحَكَمِ البَصْرِيّ، أَخْبَرَنَا مُحمّدُ ابنُ جَعْفَرِ، أَخْبَرَنَاْ شُعْبَةُ عن عِكْرِمَةَ بنِ عَمّارٍ بِهَذَا‏.‏

وروى عبدُ الرحمنِ بن مهدي عن عكرمةَ بن عمارٍ نحو رواية بن المبارك وقال له في الثالثة‏:‏ انت مزكومٌ حدثنا بذلك اسحاقُ بن منصورٍ حدثنا عبدُ الرحمنِ بن مهدي‏.‏

2819- حدثنا القَاسِمُ بنُ دِينَارٍ الكُوفِيّ حدثنا إِسْحَاقُ بنُ مَنْصُورٍ السّلُولِيّ الكُوفِيّ عن عَبْدِ السّلاَمِ بنِ حَرْبٍ عن يَزِيدَ بنِ عَبْد الرّحْمَن أَبي خَالِدِ الدّالاَنِيّ، عن عُمَرَ بنِ إِسْحَاقَ بنِ أَبي طَلْحَةَ، عن أُمّهِ عن أَبِيهَا قالَ‏:‏ قال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏شَمّتِ العَاطِسَ ثَلاثاً، فَإِنْ زادَ فَإِنْ شِئْتَ فَشَمّتْهُ وَإِنْ شِئْتَ فَلاَ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ غريبٌ وَإِسْنَادُهُ مَجْهُولٌ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا عبد الله‏)‏ هو ابن المبارك ‏(‏وأنا شاهد‏)‏ أي حاضر، والجملة حالية ‏(‏ثم عطس الثانية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏هذا رجل مزكوم‏)‏ وفي رواية يحيى القطان الاَتية قال في الثالثة‏:‏ أنت من كوم، وقال الترمذي‏:‏ هذا الرواية أصح من رواية عبد الله بن المبارك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا بذلك أحمد بن الحكم البصري‏)‏ هو أحمد بن عبد الله بن الحكم بن فروة الهاشمي المعروف بابن الكردي، روى عن محمد بن جعفر غندر وغيره، وعنه مسلم والترمذي والنسائي وقال ثقة ‏(‏أخبرنا محمد بن جعفر‏)‏ المعروف بغندر‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن عمر بن إسحاق بن أبي طلحة‏)‏ المدني مجهول الحال ‏(‏عن أمه‏)‏ اسمها حميدة بنت عبيد بن رفاعة الأنصارية مقبولة من الخامسة ‏(‏عن أبيها‏)‏ هو عبيد بن رفاعة بن رافع بن مالك الأنصاري الزرقي، ويقال فيه عبيد الله، ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ووثقه العجلي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فإذا زاد فإن شئت فشمته وإن شئت فلا‏)‏ وقد أخرج أبو يعلي وابن السني عن أبي هريرة النهي عن التشميت بعد ثلاث ولفظ إذا عطس أحدكم فليشمته جليسه، فإن زاد على ثلاث فهو مزكوم ولا يشمته بعد ثلاث‏.‏ قال النووي‏:‏ فيه رجل لم أتحقق حاله وباقي إسناده صحيح‏.‏

قال الحافظ‏:‏ الرجل المذكور هو سليمان بن أبي داود الحراني‏.‏ والحديث عندهما من رواية محمد بن سليمان عن أبيه، ومحمد موثق وأبوه يقال له الحراني ضعيف، قال فيه النسائي‏:‏ ليس بثقة ولا مأمون‏.‏ قال النووي‏:‏ وأما الذي رويناه في سنن أبي داود والترمذي عن عبيد بن رفاعة الصحابي قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏يشمت العاطس ثلاثاً، فإن زاد فإن شئت فشمته، وإن شئت فلا‏"‏‏.‏ فهو حديث ضعيف قال فيه الترمذي هذا حديث غريب وإسناده مجهول‏.‏

قال الحافظ‏:‏ إطلاقه على الضعف ليس بجيد، إذ لا يلزم من الغرابة الضعف، وأما وصف الترمذي إسناده بكونه مجهولاً فلم يرد جميع رجال الإسناد فإن معظمهم موثقون، وإنما وقع في روايته تغيير اسم بعض رواته وإبهام اثنين منهم، وذلك أن أبا داود والترمذي أخرجاه معاً من طريق عبد السلام بن حرب عن يزيد بن عبد الرحمن، ثم اختلفا، فأما رواية أبي داود ففيها عن يحيى بن إسحاق بن أبي طلحة عن أمه حميدة أو عبيدة بنت عبيد بن رفاعة عن أبيها، وهذا إسناد حسن‏.‏ والحديث مع ذلك مرسل، وعبد السلام بن حرب من رجال الصحيح، ويزيد هو أبو خالد الدلاني وهو صدوق في حفظه شيء، ويحيى بن إسحاق وثقه يحيى بن معين وأمه حميدة، روى عنها أيضاً زوجها إسحاق بن أبي طلحة، وذكرها ابن حبان في ثقات التابعين وأبوها عبيد بن رفاعة ذكروه في الصحابة لكونه ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وله رؤية قاله ابن السكن، قال ولم يصح سماعه، وقال البغوي‏:‏ روايته مرسلة وحديثه عن أبيه عند الترمذي والنسائي وغيرهما، وأما رواية الترمذي ففيها عن عمر بن إسحاق بن أبي طلحة عن أمه عن أبيها، كذا سماه عمر ولم يسم أمه ولا أباه وكأنه لم يمعن النظر، فمن ثم قال إسناده مجهول، وقد تبين أنه ليس بمجهول وأن الصواب يحيى بن إسحاق لا عمر، فقد أخرجه حسن بن سفيان وابن السني وأبو نعيم وغيرهم من طريق عبد السلام بن حرب، فقالوا يحيى بن إسحاق، وقالوا حميدة بغير شك وهو المعتمد‏.‏ وقال ابن العربي‏:‏ هذا الحديث وإن كان فيه مجهول لكن يستحب العمل به لأنه دعاء بخير وصلة وتودد للجليس فالأولى العمل به‏.‏ وقال ابن عبد البر‏:‏ دل حديث عبيد بن رفاعة على أنه يشمت ثلاثاً ويقال أنت مزكوم بعد ذلك وهي زيادة يجب قبولها فالعمل بها أولى‏.‏ ثم حكى النووي عن ابن العربي أن العلماء اختلفوا‏:‏ هل يقول لمن تتابع عطاسه‏.‏ أنت مزكوم في الثانية أو الثالثة أو الرابعة على أقوال، والصحيح في الثالثة، قال ومعناه أنك لست ممن يشمت بعدها لأن الذي بك مرض وليس من العطاس المحمود الناشيء عن خفة البدن، انتهى‏.‏

1701- باب مَا جَاءَ في خَفْضِ الصّوتِ وَتَخْمِيرِ الوَجْهِ عِنْدَ العطَاس

أي غضه ‏(‏وتخمير الوجه‏)‏ أي تغطيته باليد أو بالثوب ‏(‏عند العطاس‏)‏ بضم العين المهملة وهو اندفاع الهواء بعزم من الأنف مع صوت يسمع

2820- حدثنا مُحمّدُ بنُ وَزيرٍ الْوَاسِطِيّ، حدثنا يَحْيَىَ بنُ سَعِيدٍ، عن مُحمّدِ بنِ عَجْلاَنَ، عن سُمَىٍ، عن أَبي صَالحٍ، عن أَبي هُرَيْرَةَ ‏"‏أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم كانَ إِذا عَطَسَ غَطّى وَجْهَهُ بِيَدِهِ أَوْ بِثَوْبِهِ وَغَضّ بِهَا صَوْتَهُ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

‏(‏أخبرنا يحيى بن سعيد‏)‏ هو القطان ‏(‏عن سمى‏)‏ هو مولى أبي بكر بن عبد الرحمن ‏(‏عن أبي صالح‏)‏ اسمه ذكوان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إذا عطس‏)‏ بفتح الطاء وجوز كسره ‏(‏وغض‏)‏ أي خفض ‏(‏بها‏)‏ أي بالعطسة ‏(‏صوته‏)‏ والمعنى لم يرفعه بصيحة والجار والمجرور متعلق بصوته‏.‏

قال الحافظ‏:‏ ومن آداب العاطس أن يخفض بالعطس صوته ويرفعه بالحمد، وأن يغطي وجهه لئلا يبدو من فيه أو أنفه ما يؤذي جليسه، ولا يلوي عنقه يميناً ولا شمالاً لئلا يتضرر بذلك‏.‏ قال ابن العربي‏:‏ الحكمة في خفض الصوت بالعطاس أن في رفعه إزعاجاً للأعضاء وفي تغطية الوجه أنه لو بدر منه شيء آذى جليسه ولو لوى عنقه صيانة لجليسه لم يأمن من الالتواء، وقد شاهدنا من وقع له ذلك، وقد أخرج أبو داود والترمذي بسند جيد عن أبي هريرة قال‏:‏ كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا عطس وضع يده على فمه وخفض صوته‏.‏ وله شاهد من حديث ابن عمر بنحوه عند الطبراني انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أبو داود والحاكم‏.‏

1702- باب مَا جَاءَ إِنّ الله يُحِبّ العُطَاسَ وَيَكْرهُ التّثَاؤب

2821- حدثنا ابنُ أَبي عُمَرَ، حدثنا سُفْيَانُ عن ابنِ عَجْلاَنَ، عن المُقْبُرِيّ عن أَبي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏العُطَاسُ مِنَ الله وَالتّثَاؤُبُ مِنَ الشّيْطَانِ فَإِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَضَعْ يَدَهُ عَلَى فِيهِ وَإِذَا قالَ آه آه فَإِنّ الشّيْطَانَ يَضْحَكُ مِنْ جَوفِهِ‏.‏ وَإِنّ الله يُحِبّ العُطَاسَ وَيَكْرَهُ التّثَاؤُبَ، فَإِذَا قالَ الرّجُلُ آه آه إِذَا تَثَاءَبَ، فَإِنّ الشّيْطَانَ يَضْحَكُ مِنْ جَوْفِهِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

2822- حدثنا الْحَسَنُ بنُ عَلِيٍ الْخَلاّلُ، أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بنُ هَارونَ، أَخْبَرَنَاْ ابنُ أَبي ذِئْبٍ عن سَعِيدِ بنِ أَبي سَعِيدٍ المَقْبُرِيّ، عن أَبِيهِ، عن أَبي هُرَيْرَةَ قالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إِنّ الله يُحِبّ الْعُطَاسَ وَيَكْرَهُ التّثَاؤُبَ، فَإِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَقَالَ الْحَمْدُ لله، فَحَقٌ عَلَى كُلّ مَنْ سَمِعَهُ أَنْ يَقُولَ يَرْحَمُكَ الله‏.‏ وأَمّا التّثَاؤُبُ، فَإِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَليُرَدّهُ ما اسْتَطَاعَ وَلاَ يَقُولُ هَاه هَاه، فَإِنَما ذَلِكَ مِنَ الشّيْطَانِ يَضْحَكُ مِنْهُ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ صحيحٌ‏.‏ وَهَذَا أَصَحّ مِنْ حَدِيثِ ابنِ عَجْلاَنَ، وَابنُ أَبي ذِئْبٍ أَحْفَظُ لِحَدِيثِ سَعِيدٍ المَقْبُرِيّ، وَأَثْبَتُ مِنَ بنِ عَجْلاَنَ، قال وَسَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ العَطَارَ البَصْرِيّ يَذْكُرُ عن عَلِيّ بنِ المَدِينيّ عن يَحْيَى بنِ سَعِيدٍ قالَ‏:‏ قالَ مُحمّدُ بنُ عَجْلاَنَ‏:‏ أَحَاديثُ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيّ رَوَى بَعْضَهَا سَعِيدٌ عن أَبي هُرَيْرَةَ، رُوى بَعْضَهَا عن سَعِيد عن رَجُلٍ عن أَبي هُرَيْرَةَ، فَاخْتَلَطَتْ عَلَيّ فَجَعَلْتُهَا عن سَعِيدٍ عن أَبي هُرَيْرَةَ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن المقبري‏)‏ هو سعيد بن أبي سعيد المقبري ‏(‏العطاس من الله والتثاؤب من الشيطان‏)‏ لأن العطاس ينشأ عنه النشاط للعبادة، فلذلك أضيف إلى الله، والتثاؤب ينشأ من الامتلاء فيورث الكسل فأضيف للشيطان ‏(‏فليضع يده على فمه‏)‏ أي فمه ليرده ما استطاع ‏(‏وإذا قال آه آه‏)‏ حكاية صوت المتثائب ‏(‏فإن الشيطان يضحك من جوفه‏)‏ وفي الرواية الاَتية يضحك منه‏.‏ قال الطيبي‏:‏ أي يرضى بتلك الغفلة وبدخوله فمه للوسوسة‏.‏ وفي حديث أبي سعيد عند مسلم‏:‏ إذا تثاءب أحدكم فليمسك بيده على فمه فإن الشيطان يدخل‏.‏ قال النووي‏:‏ قال العلماء أمر بكظم التثاؤب ورده ووضع اليد على الفم لئلا يبلغ الشيطان مراده من تشويه صورته ودخوله فمه وضحكه منه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه النسائي وابن خزيمة وابن حبان والحاكم‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا يزيد بن هارون‏)‏ السلمي مولاهم أبو خالد الواسطي ‏(‏أخبرني ابن أبي ذئب‏)‏ اسمه محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة ‏(‏عن أبيه‏)‏ هو أبو سعيد واسمه كيسان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إن الله يحب العطاس‏)‏ لأنه سبب خفة الدماغ وصفاء القوى الإدراكية، فيحمل صاحبه على الطاعة ‏(‏ويكره التثاؤب‏)‏ لأن يمنع صاحبه عن النشاط في الطاعة ويوجب الغفلة ولذا يفرح به الشيطان وهو المعنى في ضحكه الاَتي‏.‏ قال القاضي‏:‏ التثاؤب بالهمز، التنفس الذي يفتح عنه الفم، وهو إنما ينشأ من الامتلاء وثقل النفس وكدورة الحواس، ويورث الغفلة والكسل وسوء الفهم، ولذا كرهه الله وأحبه الشيطان وضحك منه، والعطاس لما كان سبباً لخفة الدماغ واستفراغ الفضلات عنه، وصفاء الروح وتقوية الحواس، كان أمره بالعكس ‏(‏فحق على كل من سمعه‏)‏ احتراز من حال عدم سماعه، فإنه حينئذ لا يتوجه عليه الأمر ‏(‏فإذا تثارب أحدكم‏)‏ قال الحافظ في الفتح، قال شيخنا في شرح الترمذي‏:‏ وقع في رواية المحبوبي عن الترمذي بالواو، وفي رواية السنجي بالهمز، ووقع عند البخاري وأبي داود بالهمز وكذا في حديث أبي سعيد عند أبو داود، وأما عند مسلم فبالواو، قال وكذا هو في أكثر فسخ مسلم وفي بعضها بالهمز، وقد أنكر الجوهري كونه بالواو‏.‏ قال تقول تثاءبت على وزن تفاعلت ولا تقل تثاوبت، قال والتثاؤب أيضاً مهموز، وقد يقلبون الهمز المضمومة واواً والاسم الثوباء بالضم ثم همز على وزن الخيلاء، وجزم ابن دريد وثابت بن قاسم في الدلائل بأن الذي بغير واو بوزن تيممت، فقال ثابت لا يقال تثاب بالمد مخففاً بل يقال تثأب بالتشديد‏.‏ وقال ابن دريد‏:‏ أصله من ثئب فهو مثئوب إذا استرخى وكسل، وقال غير واحد إنهما لغتان وبالهمز والمد أشهر انتهى ‏(‏فليرده ما استطاع‏)‏ أي فليكظم فمه وليمسك بيده عليه ‏(‏ولا يقول هاء هاء‏)‏ حكاية لصوت المتثائب ‏(‏فإنما ذلك‏)‏ أي التثاؤب ‏(‏من الشيطان‏)‏ قال النووي‏:‏ أضيف التثاؤب إلى الشيطان، لأنه يدعو إلى الشهوات، إذ يكون عن ثقل البدن واسترخائه وامتلائه، والمراد التحذير من السبب الذي يتولد منه، وهو التوسع في المأكل وإكثار الأكل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث صحيح‏)‏ وأخرجه البخاري وأبو داود والنسائي ‏(‏وهذا‏)‏ أي حديث ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة ‏(‏أصح من حديث ابن عجلان‏)‏ أي عن سعيد المقبري عن أبي هريرة بإسقاط عن أبيه، وقد بين الترمذي وجه كونه أصح منه بقوله‏:‏ وابن أبي ذئب أحفظ الخ ‏(‏عن يحيى بن سعيد قال‏:‏ قال محمد بن عجلان أحاديث سعيد المقبري، روي بعضها عن سعيد عن أبي هريرة وبعضها سعيد عن رجل عن أبي هريرة الخ‏)‏ وقال الحافظ في تهذيب التهذيب في ترجمة ابن عجلان، قال يحيى القطان عن ابن عجلان‏:‏ كان سعيد المقبري يحدث عن أبي هريرة، وعن أبيه عن أبي هريرة، وعن رجل عن أبي هريرة فأختلطت عليه فجعلها كلها عن أبي هريرة انتهى‏.‏

1703- باب ما جَاءَ إِنّ العُطَاسَ في الصّلاَةِ مِنَ الشّيْطَان

2823- حدثنا عَلِيّ بنُ جُحْرٍ، أَخْبَرَنا شَرِيكٌ عن أَبي اليَقْظَانِ، عن عَدِيّ بنُ ثَابِتٍ، عن أَبِيهِ، عن جَدّهِ رَفَعَهُ قالَ‏:‏ ‏"‏العُطَاسُ وَالنّعَاسُ وَالتثَاؤُبُ في الصّلاَةِ، وَالْحَيْضُ وَالْقَيءُ وَالرّعَافُ مِنَ الشّيْطَانِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ غريبٌ، لاَ نَعْرِفُهُ إِلاّ مِنْ حَدِيثٍ شَرِيكٍ عن أَبي الْيَقْظَانِ‏.‏ قال‏:‏ وَسَأَلْتُ مُحمّدَ بنَ إسْمَاعِيلَ عن عَدِيّ بنِ ثَابِتٍ عن أَبيهِ عن جَدّهِ‏:‏ قُلْتُ لَهُ‏:‏ مَا اسْمُ جَدّ عَدِيٍ‏؟‏ قالَ لاَ أَدْرِي‏.‏ وَذُكِرَ عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِينٍ‏.‏ قالَ‏:‏ اسْمُهُ دِينَارٌ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن عدي وهو ابن ثابت‏)‏ الأنصاري ثقة ‏(‏عن أبيه‏)‏ هو ثابت الأنصاري ذكره ابن حبان في الثقات، وقال الحافظ في التقريب‏:‏ هو مجهول الحال ‏(‏عن جده‏)‏ أي جد عدي ‏(‏رفعه‏)‏ أي رفع جده الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ولولا هذا القيد لأوهم قوله ‏(‏قال العطاس‏)‏ أن يكون من قول الصحابي فيكون موقوفاً قاله الطيبي ‏(‏والنعاس‏)‏ هو النوم الخفيف أو مقدمة النوم وهو السنة ‏(‏والثاؤب في الصلاة‏)‏ قال الطيبي‏:‏ إنما فصل بين الثلاثة الأولى والأخيرة بقوله في الصلاة، لأن الثلاثة الأخيرة تبطل الصلاة، بخلاف الأولى ‏(‏والحيض والقيء والرعاف‏)‏ بضم الراء دم الأنف ‏(‏من الشيطان‏)‏ قال القاضي‏.‏ أضاف هذه الأشياء إلى الشيطان لأنه يحبها ويتوسل بها إلى ما يبتغيه من قطع الصلاة والمنع عن العبادة، ولأنها تغلب في غالب الأمر من شره الطعام الذي هومن أعمال الشيطان، وزاد التوربشتي‏:‏ ومن ابتغاء الشيطان الحيلولة بين العبد وبين ما ندب إليه من الحضور بين يدي الله والاستغراق في لذة المناجاة‏.‏ وقيل المراد من العطاس كثرته فلا ينافيه الخبر السابق أن الله يحب العطاس لأن محله في العطاس المعتدل، وهو الذي لا يبلغ الثلاث على التوالي بدليل أنه يسن تشميته حينئذ بعافاك الله وشفاك‏.‏ الدال على أن ذلك مرض، انتهى‏.‏ قال القاري‏:‏ والظاهر أن الجمع بين الحديثين بأن يحمل محبة الله تعالى العطاس مطلقاً على خارج الصلاة وكراهته مطلقاً في داخل الصلاة، لأنه في الصلاة لا يخلو عن اشتغال بال به، وهذا الجمع كان متعيناً لو كان حديثان مطلقين، فكيف مع التقييد بها في هذا الحديث انتهى‏.‏

وقال الحافظ العراقي في شرح الترمذي‏:‏ لا يعارض هذا حديث أبي هريرة إن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب، لكونه مقيداً بحبال الصلاة‏.‏ فقد يتسبب الشيطان في حصول العطاس المصلي ليشغله عن صلاته، ذكره الحافظ في الفتح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث شريك عن أبي اليقظان‏)‏ قال الحافظ في الفتح‏:‏ وسنده ضعيف، وله شاهد عن ابن مسعود في الطبراني، لكن لم يذكر النعاس وهو موقوف وسنده ضعيف أيضاً ‏(‏وذكر عن يحيى بن معين قال اسمه دينار‏)‏ وقال الترمذي في باب المستحاضة تتوضأ لكل صلاة، وذكرت لمحمد يعني البخاري قول يحيى بن معين اسمه دينار فلم يعبأ به انتهى‏.‏ وذكر الحافظ أقوالاً عيديدة في اسم جد عدى في تهذيب التهذيب في ترجمة ثابت الأنصاري ثم قال‏:‏ ولم يترجح لي في اسم جده إلى الاَن شيء من هذه الأقوال كلها إلا أن أقربها إلى الصواب أن جده هو جده لأمه عبد الله يزيد الخطمي انتهى‏.‏

1704- باب ما جَاءَ في كَرَاهِيَةِ أَنْ يُقَامَ الرَجُلُ مِنْ مَجْلِسِهِ ثمّ يُجْلَسُ فِيه

2824- حدثنا قُتَيْبَةُ، حدثنا حَمّادُ بنُ زَيْدٍ عن أَيّوبَ عن نَافِعٍ، عن ابنِ عُمَرَ أَنّ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ‏:‏ ‏"‏لاَ يُقِمُ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ مِنْ مَجْلِسِهِ، ثُمّ يَجْلِسُ فيه‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

2825- حدثنا الْحَسَنُ بنُ عَلِيٍ الْخَلاّلُ، أخبرنا عَبْدُ الرّزّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عن الزّهْرِيّ عن سَالِمٍ، عن ابنِ عُمَرَ قالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لا يُقِم أَحَدُكُمْ أَخَاهُ مِنْ مَجْلِسِهِ، ثُمّ يَجْلِسُ فِيهِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديث صحيح‏.‏ قال‏:‏ وَكَانَ الرّجُلُ يَقُومُ لابنِ عُمَرَ فلا يَجْلِسُ فِيهِ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديث صحيح‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن أيوب‏)‏ هو ابن أبي تميمة السختياني ‏(‏عن نافع‏)‏ هو أبو عبد الله المدني مولى ابن عمر ثقة ثبت فقيه مشهور من الثالثة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا يقيم‏)‏ من الإقامة ‏(‏أخاه‏)‏ في الدين ‏(‏من مجلسه‏)‏ أي من مكانه الذي سبقه إليه من موضع مباح ‏(‏ثم يجلس‏)‏ أي المقيم ‏(‏فيه‏)‏ قيد واقعي غالبي‏.‏ قال النووي‏:‏ هذا النهي للتحريم فمن سبق إلى موضع مباح في المسجد وغيره يوم الجمعة أو غير، لصلاة أو غيرها فهو أحق به، ويحرم على غيره إقامته لهذا الحديث إلا أن أصحابنا استثنوا منه ما إذا ألف من المسجد موضعاً يفتي فيه أو يقرأ قرآناً أو غيره من العلوم الشرعية فهو أحق به، وإذا حضر لم يكن لغيره أن يقعد فيه‏.‏ وفي معناه من سبق إلى موضع من الشوارع ومقاعد الأسواق لمعاملة انتهى‏.‏ وقال القاري في المرقاة بعد نقل كلام النووي‏:‏ هذا وفيه بحث ظاهر، لأن مثل هذا التعليل هل يصلح لتخصيص العام المستفاد من النهي الصريح بالحديث الصحيح مع ما ورد من النهي عن أخذ مكان معين من المسجد لما يترتب عليه من الرياء المنافي للإخلاص، وقد كان ابن عمر رضي الله تعالى عنهما إذا قام له رجل عن مجلسه لم يجلس فيه انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏لا يُقم أحدكم أخاه من مجلسه ثم يجلس فيه‏)‏ قال ابن أبي جمرة‏:‏ هذا اللفظ عام في المجالس ولكنه مخصوص بالمجالس المباحة، إما على العموم كالمساجد ومجالس الحكام والعلم وإما على الخصوص كمن يدعو قوماً بأعيانهم إلى منزله لوليمة ونحوها، وأما المجالس التي ليس لشخص فيها ملك ولا إذن له فيها فإنه يقام ويخرج منها، ثم هو في المجالس العامة وليس عاماً في الناس بل هو خاص بغير المجانين ومن يحصل منه الأذى كأكل الثوم النيء إذا دخل المسجد والسفيه إذا دخل مجلس العلم أو الحكم، قال والحكمة في هذا النهي منع استنقاص حق المسلم المقتضي للضغائن الحث على التواضع المقتضي للمواددة‏.‏ وأيضاً فالناس في المباح كلهم سواء، فمن سبق إلى شيء استحقه، ومن استحق شيئاً فأخذ منه بغير حق فهو غصب والغصب حرام‏.‏ فعلى هذا قد يكون بعض ذلك على سبيل الكراهة، وبعضه على سبيل التحريم ‏(‏قال‏)‏ أي سالم ‏(‏وكان الرجل يقوم لابن عمر فما يجلس فيه‏)‏ وفي رواية البخاري‏:‏ وكان ابن عمر يكره أن يقوم الرجل من مكانه ثم يجلس مكانه‏.‏ قال النووي‏:‏ وأما ما نسب إلى ابن عمر فهو ورع منه وليس قعوده فيه حراماً إذا كان ذلك برضا الذي قام، ولكنه تورع منه لاحتمال أن يكون الذي قام لأجله استحيى منه فقام عن غير طيب قلبه، فسد الباب ليسلم من هذا، أو رأى أن الإيثار بالقرب مكروه أو خلاف الأولى فكان يمتنع من ذلك لئلا يرتكب أحد بسببه مكروهاً، أو خلاف الأولى بأن يتأخر عن موضعه من الصف الأول ويؤثره به وشبه ذلك‏.‏ قال أصحابنا‏:‏ وإنما يحمد الإيثار بحظوظ النفوس وأمور الدنيا دون القرب، انتهى‏.‏ قلت‏:‏ وقد ورد ذلك عن ابن عمر مرفوعاً أخرجه أبو داود من طريق أبي الخصيب عن ابن عمر‏:‏ جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام له رجل من مجلسه فذهب ليجلس، فنهاه رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

1705- باب مَا جَاءَ إِذَا قَامَ الرّجُلُ مِنْ مَجْلِسِهِ ثمّ رَجَعَ اليه فَهُوَ أَحقّ بِه

2826- حدثنا قُتَيْبَةُ، حدثنا خَالِدُ بنُ عَبْدِ الله الوَاسِطِيّ، عن عَمْرِو بنِ يَحْيَى، عن مُحمّدِ بنِ يَحْيَى بنِ حَبّانٍ، عن عَمّهِ وَاسِعِ بنِ حَبّانَ، عن وَهْبِ بنِ حُذَيْفَةَ أَنّ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏الرّجُلُ أَحَقّ بِمَجْلِسِهِ، وَإِنْ خَرَجَ لِحَاجَتِهِ، ثُمّ عَادَ فَهُوَ أَحَقّ بِمَجْلِسِهِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ‏.‏

وفي البابِ عن أَبي بَكْرَةَ وَأَبي سَعِيدٍ وَأَبي هُرَيْرَةَ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن وهب بن حذيفة‏)‏ الغفاري، صحابي من أهل الصفة، عاش إلى خلافة معاوية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الرجل أحق بمجلسه وإن خرج لحاجته ثم عاد فهو أحق بمجلسه‏)‏ قال النووي‏:‏ قال أصحابنا هذا في حق من جلس في موضع من المسجد أو غيره لصلاة مثلاً ثم فارقه ليعود بأن فارقه ليتوضأ أو يقضي شغلاً يسيراً ثم يعود لم يبطل اختصاصه، بل إذا رجع فهو أحق به في تلك الصلاة، فإن كان قد قعد فيه غيره فله أن يقيمه، وعلى القاعد أن يفارقه لهذا الحديث، هذا هو الصحيح عند أصحبانا، وأنه يجب على من قعد فيه مفارقته إذا رجع الأول‏.‏ وقال بعض العلماء‏:‏ هذا مستحب ولا يجب وهو مذهب مالك والصواب الأول، قال أصحابنا‏:‏ ولا فرق بين أن يقوم منه ويترك له فيه سجادة ونحوها أم لا، فهذا أحق به في الحالين‏.‏ قال أصحابنا‏:‏ وإنما يكون أحق به في تلك الصلاة وحدها دون غيرها انتهى‏.‏ وقال عياض‏:‏ اختلف العلماء فيمن اعتاد بموضع من المسجد للتدريس والفتوى فحكى عن مالك‏:‏ أنه أحق به إذا عرف به، قال والذي عليه الجمهور أن هذا استحسان وليس بحق واجب، ولعله مراد مالك، وكذا قالوا في مقاعد الباعة من الأفنية والطرق التي هي غير متملكة، قالوا من اعتاد بالجلوس في شيء منها فهو أحق به حتى يتم غرضه، قال وحكاه الماوردي عن مالك قطعاً للتنازع‏.‏ وقال القرطبي‏:‏ الذي عليه الجمهور أنه ليس بواجب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث صحيح غريب‏)‏ وأخرجه أحمد في مسنده‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أبي بكرة وأبي سعيد وأبي هريرة‏)‏ أما حديث أبي بكرة وحديث أبي سعيد فلينظر من أخرجهما، وأما حديث أبي هريرة فأخرجه أحمد والبخاري في الأدب المفرد، ومسلم وأبو داود وابن ماجه ولفظه‏:‏ ‏"‏من قام من مجلسه ثم رجع إليه فهو أحق به‏"‏‏.‏

1706- باب ما جَاءَ في كَرَاهِيَةِ الْجُلُوسِ بَيْنَ الرّجُلَيْنِ بِغَيْرِ إِذْنِهِمَا

2827- حدثنا سُوَيْدُ، أخْبَرَنا عَبْدِ الله، أَخْبَرَنا أُسَامَةُ بنُ زَيْدٍ، حدثني عَمْرُو بنُ شُعَيْبٍ، عن أَبِيهِ، عن عَبْدِ الله بنِ عَمْرٍو أَنّ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ‏:‏ ‏"‏لاَ يَحِلّ لِلرّجُلِ أَنْ يُفَرّقَ بَيْنَ اثْنَيْنِ إِلاّ بإِذْنِهما‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ وقد رَوَاهُ عَامِرٌ الأَحْوَلُ عن عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ أَيْضاً‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا سويد‏)‏ هو ابن نصر بن سويد المروزي ‏(‏أخبرنا عبد الله‏)‏ هو ابن المبارك ‏(‏أخبرنا أسامة بن زيد‏)‏ الليثي مولاهم أبو زيد المدني‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا يحل الرجل أن يفرق‏)‏ بتشديد الراء ‏(‏بين أثنين‏)‏ أي بأن يجلس بينهما ‏(‏إلا بإذنهما‏)‏ لأنه قد يكون بينهما محبة ومودة وجريان سر وأمانة فيشق عليهما التفرق بجلوسه بينهما‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن‏)‏ وأخرجه أحمد وأبو داود ‏(‏وقد رواه عامر الأحول عن عمرو بن شعيب أيضاً‏)‏ أخرجه أبو داود في سننه ولفظه‏:‏ لا يجلس بين رجلين إلا بإذنهما‏.‏

1707- باب ما جَاءَ في كَرَاهِيَةِ القُعُودِ وَسْطَ الْحَلْقَة

2828- حدثنا سُوَيْدُ، أخبرنا عَبْدُ الله، أخبرنا شُعْبَةُ عن قَتَادَةَ عن أَبي مِجْلَزٍ‏:‏ ‏"‏أَنّ رَجُلاً قَعَدَ وَسَطَ الْحَلْقَةِ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ‏:‏ مَلْعُونٌ عَلَى لِسَانِ مُحمّدٍ‏.‏ أَوْ‏:‏ لَعَنَ الله عَلَى لِسَانِ مُحمّدٍ صلى الله عليه وسلم مَنْ قَعَدَ وَسْطَ الْحَلْقَةِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وَأَبُو مُجْلَزٍ اسْمُهُ لاَحِقُ بنُ حُمَيْدٍ‏.‏

- قوله ‏(‏أو لعن الله‏)‏ شك من الراوي ‏(‏من قعد وسط الحلقة‏)‏ بسكون السين واللام‏.‏ قال الخطابي‏:‏ هذا يتأول فيمن يأتي حلقة قوم فيتخطى رقابهم ويقعد وسطها ولا يقعد حيث ينتهي به المجلس فلعن للأذى، وقد يكون في ذلك أنه إذا قعد وسط الحلقة حال بين الوجوه فحجب بعضهم عن بعض، فيتضررون بمكانه وبمقعده هناك انتهى‏.‏ وقال التوربشتي‏:‏ المراد به الماجن الذي يقيم نفسه مقام السخرية ليكون ضحكة بين الناس، ومن يجري مجراه من المتآكلين بالشعوذة انتهى، والشعوذة‏:‏ خفة في اليد وأخذ كالسحر يرى الشيء بغير ما عليه أصله في رؤى العين، والماجن‏:‏ من لا يبالي قولاً وفعلاً‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد وأبو داود والحاكم‏.‏

1708- باب ما جَاءَ في كَرَاهِيَةِ قِيَامِ الرّجُلِ لِلرجّل

2829- حدثنا عَبْدِ الله بنُ عَبْد الرّحْمَنِ، أخبرنا عَفّانُ، أَخْبَرَنا حَمّادُ بنُ سَلَمَةَ، عن حُمَيْدٍ، عن أَنَسٍ قالَ‏:‏ ‏"‏لم يَكُنْ شَخْصٌ أَحَبّ إِلَيْهِمْ مِنْ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، قال‏:‏ وَكَانُوا إِذَا رَأَوْهُ لَمْ يَقُومُوا لِمَا يَعْلَمُونَ مِنْ كَرَاهِيَتِهِ لِذَلِكَ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ من هذا الوجه‏.‏

2830- حدثنا مَحْمُودُ بنُ غَيْلاَنَ، أَخْبَرَنا قُبَيْصَةُ، أَخْبَرَنا سُفْيَانُ عن حَبِيبِ بنِ الشّهِيدِ، عن أَبي مِجْلَزٍ قالَ‏:‏ خَرَجَ مُعَاوِيَةُ فَقَامَ عَبْدُ الله بنُ الزّبَيْرِ وَابنُ صَفْوَانَ حِينَ رَأَوْهُ فَقَالَ اجْلِسَا، سَمِعْتُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ‏:‏ ‏"‏مَنْ سَرّهُ أَنْ يَتَمَثّلَ لَهُ الرّجَالُ قِيَاماً فَلْيَتَبَوّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النّارِ‏"‏‏.‏

وفي البابِ عن أَبي أُمَامَةَ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ‏.‏

‏.‏‏.‏‏.‏- حدثنا هَنّادٌ، حدثنا أَبُو أُسَامَةَ عن حَبِيبِ بنِ الشّهِيدِ، عن أَبي مِجْلَزٍ، عن مُعَاوِيَةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم مثلهُ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا عفان‏)‏ هو ابن مسلم بن عبد الله الصفار البصري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لم يكن شخص أحب إليهم‏)‏ أي إلى الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين ‏(‏وكانوا‏)‏ أي جميعاً ‏(‏إذا رأوه‏)‏ أي مقبلاً ‏(‏لم يقوموا لما يعلمون من كراهيته لذلك‏)‏ أي لقيامهم تواضعاً لربه، ومخالفته لعادة المتكبرين والمتجبرين، بل اختار الثبات على عادة العرب في ترك التكلف في قيامهم وجلوسهم وأكلهم وشربهم ولبسهم ومشيهم وسائر أفعالهم وأخلاقهم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح غريب‏)‏ ذكره الحافظ في الفتح، ونقل تصحيح الترمذي وأقره‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا قبيصة‏)‏ هو ابن عقبة بن محمد ‏(‏أخبرنا سفيان‏)‏ هو الثوري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏خرج معاوية فقام عبد الله بن الزبير وابن صفوان حين رأوه‏)‏ يثبت من رواية الترمذي هذه أن عبد الله بن الزبير قد قام حين خرج معاوية وروايات أبي داود وغيره تدل على أنه لم يقم‏.‏ ورجح الحافظ في الفتح هذه الروايات النافية فقال بعد ذكرها‏:‏ وسفيان وإن كان من جبال الحفظ إلا أن العدد الكثير وفيهم مثل شعبة أولى بأن تكون روايتهم محفوظة من الواحد، وقد اتفقوا على أن ابن الزبير لم يقم ‏(‏من سره‏)‏ أي أعجبه وجعله مسروراً، وفي رواية أبي داود‏:‏ من أحب ‏(‏أن يتمثل‏)‏ أي ينتصب ‏(‏له الرجال قياماً‏)‏ أي يقفون بين يديه قائمين لتعظيمه من قولهم مثل بين يديه مثولاً أي انتصب قائماً‏.‏ قال الطيبي‏:‏ يجوز أن يكون قوله قياماً مفعولاً مطلقاً لما في الانتصاب من معنى القيام وأن يكون تمييز الاشتراك المثول بين المعنيين ‏(‏فليتبوأ‏)‏ أي فليهيء ‏(‏مقعده من النار‏)‏ لفظه الأمر معناه الخير كأنه قال‏:‏ من سره ذلك وجب له أن ينزل منزلة من النار‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أبي أمامة‏)‏ أخرجه أبو داود وابن ماجه عنه قال‏:‏ خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم متوكئاً على عصاً فقمنا له‏.‏ فقال لا تقوموا كما يقوم الأعاجم يعظم بعضها بعضاً‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وهذا حديث حسن‏)‏ وأخرجه أحمد وأبو داود‏.‏

اعلم أنه قد اختلف أهل العلم في قيام الرجل للرجل عند رؤيته، فجوزه بعضهم كالنووي وغيره، ومنعه بعضهم كالشيخ أبي عبد الله بن الحاج المالكي وغيره، وقال النووي في الأذكار‏:‏ وأما إكرام الداخل بالقيام، فالذي نختاره أنه مستحب لمن كان فيه فضيلة ظاهرة من علم أو صلاح أو شرف أو ولاية ونحو ذلك، ويكون هذا القيام للبر والإكرام والاحترام لا للرياء والإعظام‏.‏ وعلى هذا استمر عمل السلف والخلف، وقد جمعت في ذلك جزءاً جمعت فيه الأحاديث والآثار وأقوال السلف وأفعالهم الدالة على ما ذكرته‏.‏ وذكرت فيه ما خالفها وأوضحت الجواب عنه، فمن أشكل عليه من ذلك شيء ورغب في مطالعته، رجوت أن يزول إشكاله، انتهى‏.‏

قلت‏:‏ وقد نقل بن الحاج ذلك الجزء في كتابه المدخل، وتعقب على كل ما استدل به النووي، فمن أقوى ما تمسك به حديث أبي سعيد عن الشيخين‏:‏ أن أهل قريظة نزلوا على حكم سعد، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إليه فجاء، فقال ‏"‏قوموا إلى سيدكم‏"‏ الحديث، وقد أجاب عنه ابن الحاج بأجوبة منها‏:‏ أن الأمر بالقيام لغير ما وقع فيه النزاع وإنما هو لينزلوه عن دابته لما كان فيه من المرض كما جاء في بعض الروايات انتهى‏.‏

قال الحافظ‏:‏ قد وقع في مسند عائشة عند أحمد من طريق علقمة بن وقاص عنها في قصة غزوة بني قريظة، وقصة سعد بن معاذ ومجيئه مطولاً، وفيه قال أبو سعيد‏:‏ فلما طلع قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏قوموا إلى سيدكم فأنزلوه‏"‏‏.‏ وسنده حسن، وهذه الزيادة تخدش في الاستدلال بقصة سعد على مشروعية القيام المتنازع فيه، انتهى‏.‏

ومما تمسك به النووي حديث كعب بن مالك في قصة توبته وفيه‏:‏ فقام إلى طلحة بن عبيد الله يهرول، فصافحني وهنأني‏.‏ وأجاب عنه ابن الحاج بأن طلحة إنما قام لتهنئته ومصافحته ولو كان قيامه محل النزاع لما انفرد به، فلم ينقل أن النبي صلى الله عليه وسلم قام له ولا أمر به ولا فعله أحد ممن حضروا وإنما انفرد طلحة لقوة المودة بينهما على ما جرت به العادة أن التهنئة والبشارة ونحو ذلك تكون على قدر المودة والخلطة، بخلاف السلام فإنه مشروع على من عرفت ومن لم تعرف‏.‏

ومما تمسك به النووي حديث عائشة قالت‏:‏ ما رأيت أحد كان أشبه سمتاً ودلاً وهدياً برسول الله صلى الله عليه وسلم من فاطمة، كانت إذا دخلت عليه قام إليها فأخذ بيدها فقبلها وأجلسها في مجلسه، وكان إذا دخل عليها قامت إليه فأخذت بيده فقبلته وأجلسته في مجلسها‏.‏ أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم‏.‏ وأجاب عنه ابن الحاج باحتمال أن يكون القيام لها لأجل إجلاسها في مكانه إكراماً لها لا على وجه القيام المنازع فيه، ولا سيما ما عرف من ضيق بيوتهم وقلة الفرش فيها، فكانت إرادة إجلاسه لها في موضعه مستلزمة لقيامه‏.‏

ومما تمسك به النووي‏:‏ ما أخرجه أبو داود عن عمرو بن الحارث أن عمر بن السائب حدثه أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان جالساً يوماً فأقبل أبوه من الرضاعة فوضع له بعض ثوبه فقعد عليه، ثم أقبلت أمه فوضع لها شق ثوبه من جانبه الاَخر فجلست عليه، ثم أقبل أخوه من الرضاعة فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجلسه بين يديه‏.‏ وأجاب عنه ابن الحاج بأن هذا القيام لو كان محل النزاع لكان الوالدان أولى به من الأخ، وإنما قام للأخ، إما لأن يوسع له في الرداء أو في المجلس‏.‏

قلت‏:‏ هذا الحديث معضل كما صرح به ابن المنذري في تلخيص السنن فلا يصلح للاستدلال، وتمسك النووي بروايات أخرى، وأجاب عنها ابن الحاج بأنها ليست من محل النزاع، والأمر كما قال ابن الحاج وأجاب النووي عن أحاديث كراهة قيام الرجل للرجل بما لا يشفي العليل ولا يروي الغليل كما بينه ابن الحاج مفصلاً‏.‏

قلت‏:‏ حديث أنس المذكور يدل على كراهة القيام المتنازع فيه، وهو قيام الرجل للرجل عند رؤيته، وظاهر حديث عائشة يدل على جوازه‏.‏ وجواب ابن الحاج عن هذا الحديث غير ظاهر، واختلف في وجه الجمع بينهما، فقيل حديث أنس محمول على كراهة التنزيه، وقيل هو محمول على القيام على طريق الإعظام، وحديث عائشة على القيام على طريق البر والإكرام، وقيل غير ذلك، أما قيام الرجل لإنزال المريض عن مركوبه، أو القادم من سفر، أو للتهنئة لمن حدثت له نعمة، أو لتوسع المجلس فهو جائز بالاتفاق‏.‏ نقل العيني في شرح البخاري عن أبي الوليد بن رشد‏:‏ أن القيام على أربعة أوجه‏:‏ الأول محظور وهو أن يقع لمن يريد أن يقام إليه تكبراً وتعاظماً على القائمين إليه، والثاني‏:‏ مكروه وهو أن يقع لمن لا يتكبر ولا يتعاظم على القائمين ولكن يخشى أن يدخل نفسه بسبب ذلك ما يحذر ولما فيه من التشبه بالجبابرة، والثالث‏:‏ جائز وهو أن يقع على سبيل البر والإكرام لمن لا يريد ذلك ويؤمن معه التشبه بالجبابرة، والرابع مندوب وهو أن يقوم لمن قدم من سفر فرحاً بقدومه ليسلم عليه، أو إلى من تجددت له نعمة فيهنئه بحصولها أو مصيبة فيعزيه بسببها انتهى‏.‏ وقال الغزالي القيام على سبيل الإعظام مكروه وعلى سبيل البر والإكرام لا يكره‏.‏ قال الحافظ في الفتح‏:‏ هذا تفصيل حسن‏.‏

1709- باب ما جَاءَ في تَقْلِيم الأظْفَار

2831- حدثنا الْحَسَنُ بنُ عَلِيّ الخلاّل وَغَيْرُ وَاحِدٍ، قَالُوا‏:‏ أَخْبَرَنا عَبْدُ الرّزّاقِ، أَخْبَرَنا مَعْمَرٌ عن الزّهْرِيّ عن سَعِيدِ بنِ المُسَيّبِ، عن أَبي هُرَيْرَةَ، قالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏خَمْسٌ مِنَ الفِطْرَةِ‏:‏ الاسْتِحْدادُ وَالْخِتَانُ وَقَصّ الشّارِبِ وَنَتْفُ الإبِطِ وَتَقْلِيمُ الأَظْفَارِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

2832- حدثنا قُتَيْبَةُ وَ هَنّادٌ قَالاَ‏:‏ حدثنا وَكِيعٌ، عن زَكَرِيّا بنِ أَبي زَائِدَةَ، عن مُصْعَبِ بن شَيْبَةَ، عن طَلْقِ بنِ حَبِيبٍ، عن عَبْدِ الله بنِ الزّبَيْرِ، عن عَائِشَةَ أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏عَشْرٌ مِنَ الفِطْرَةِ‏:‏ قَصّ الشّارِبِ وَإِعْفَاءُ اللّحْيَةِ وَالسّوَاكُ والاسْتِنْشَاقُ وَقَصّ الأَظْفَارِ وَغَسْلُ الْبَرَاجِمِ وَنَتْفُ الإِبْطِ وَحَلْقُ الْعَانَةِ وَانْتِقَاصُ الْمَاءِ‏"‏ قَالَ زَكَرِيّا قَالَ مُصْعَبٌ‏:‏ وَنَسِيْتُ العَاشِرَةَ إِلاّ أَنْ تَكُونَ المَضْمَضَة‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ انْتِقَاصُ الْمَاءِ‏:‏ الاسْتِنْجَاءُ بالمَاءِ وفي البابِ عن عَمّارِ بنِ يَاسِرٍ وَابنِ عُمَرَ وأبي هريرة‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏خمس من الفطرة‏)‏ قال في النهاية‏:‏ أي من السنة، يعني سنن الأنبياء عليهم السلام التي أمرنا أن نقتدي بهم، وقال في مجمع البحار‏:‏ أي من السنة القديمة التي اختارها الأنبياء عليهم السلام واتفقت عليها الشرائع فكأنها أمر جبلي فطروا عليه، منها قص الشارب‏.‏ فسبحانه‏.‏ ما أسحف عقول قوم طولوا الشارب وأحفوا اللحية عكس ما عليه فطرة جميع الأمم قد بدلوا فطرتهم نعوذ بالله انتهى‏.‏ ويسوغ الابتداء بالنكرة أن قوله خمس صفة موصوف محذوف، والتقدير خصال خمس، ثم فسرها أو على الإضافة أي خمس خصال، ويجوز أن تكون الجملة خبر مبتدأ محذوف، والتقدير الذي شرع لكم خمس من الفطرة ‏(‏الاستحداد‏)‏ أي حلق العانة، سمي استحداداً لاستعمال الحديدة وهي الموسى وهو سنة، والمراد به نظافة ذلك الموضع والأفضل فيه الحلق ويجوز بالقص والنتف والنورة، والمراد بالعانة الشعر فوق ذكر الرجل وحواليه، وكذلك الشعر الذي حول فرج المرأة، ونقل عن أبي العباس بن سريج‏:‏ أنه الشعر النابت حول حلقة الدبر، فيحصل من مجموع هذا استحباب حلق جميع ما على القبل والدبر وحولها ‏(‏والختان‏)‏ بكسر المعجمة وتخفيف المثناة مصدر ختن أي قطع، والختن بفتح ثم سكون‏:‏ قطع بعض مخصوص عن عضو مخصوص، والختان اسم الفعل الخاتن والموضع الختان أيضاً كما في حديث عائشة‏:‏ إذا التقى الختانان‏.‏ والأول المراد به هنا‏.‏ قال المارودي‏:‏ ختان الذكر قطع الجلدة التي تغطي الحشفة، والمستحب أن يستوعب من أصلها عند أول الحشفة، وأقل ما يجزئ أن لا يبقى منها ما يتغشى به شيء من الحشفة‏.‏ وقال إمام الحرمين‏:‏ المستحق في الرجال قطع القلفة، وهي الجلدة التي تغطي الحشفة حتى لا يبقى من الجلدة شيء متدل‏.‏ وقال ابن الصباغ‏:‏ حتى تنكشف جميع الحشفة قال الإمام‏:‏ والمستحق من ختان المرأة ما ينطلق عليه الاسم‏.‏ قال الماوردي‏:‏ ختانها قطع جلدة تكون في أعلى فرجها فوق مدخل الذكر كالنواة أو كعرف الديل والواجب قطع الجلدة المستعلية منه دون استئصاله‏.‏ وقد أخرج أبو داود من حديث أم عطية‏:‏ أن امرأة كانت تختن بالمدينة، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لا تنهكي فإن ذلك أحظى للمرأة‏"‏، وقال إنه ليس بالقوي‏.‏

قال الحافظ‏:‏ له شاهدان من حديث أنس، ومن حديث أم أيمن عند أبي الشيخ في كتاب العقيقة وآخر عن الضحاك بن قيس عند البيهقي‏.‏

واختلف في وقت الختان، فذهب الجمهور إلى أن مدة الختان لا تختص بوقت معين وليس بواجب في حالة الصغر، واستدل لهم بحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ اختتن إبراهيم خليل الرحمن بعد ما أتت عليه ثمانون سنة واختتن بالقدوم متفق عليه، إلا أن مسلماً لم يذكر السنين وللشافعية وجه أنه يجب على الولي أن يختن الصغير قبل بلوغه، ويرده ما رواه البخاري عن سعيد بن جبير قال‏:‏ سئل ابن عباس، مثل من أنت حين قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ أنا يومئذ مختون، وكانوا لا يختنون الرجل حتى يدرك‏.‏ ولهم أيضاً وجه أنه يحرم قبل عشر سنين، ويرده حديث‏:‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم ختن الحسن والحسين يوم السابع من ولادتهما‏.‏ أخرجه الحاكم والبيهقي من حديث عائشة، وأخرجه البيهقي من حديث جابر، قال النووي بعد أن ذكر هذين الوجهين‏:‏ وإذا قلنا بالصحيح استحب أن يختتن في اليوم السابع من ولادته، وهل يحسب يوم الولادة من السبع أو يكون سبعة سواء فيه وجهان‏:‏ أظهرهما يحسب انتهى‏.‏ وفي هذه المسألة أقوال أخرى ذكرها الحافظ في الفتح‏.‏

واختلف في أن الختان واجب أو سنة قال الحافظ في الفتح‏:‏ ذهب إلى وجوب الختان الشافعي وجمهور أصحابه، وقال به من القدماء عطاء حتى قال‏:‏ لو أسلم الكبير لم يتم إسلامه حتى يختتن‏.‏ وعن أحمد وبعض المالكية يجب‏.‏ وعن أبي حنيفة واجب وليس بفرض وعنه سنة يأثم بتركه‏.‏ وفي وجه للشافعية لا يجب في حق النساء وهو الذي أورده صاحب المغنى عن أحمد، وذهب أكثر العلماء وبعض الشافعية أنه ليس بواجب‏.‏

واحتج القائلون بالوجوب بروايات لا يخلو واحدة منها عن مقال، وقد ذكرها الشوكاني في النيل مع الكلام عليها ثم قال‏:‏ والحق أنه لم يقم دليل صحيح يدل على الوجوب والمتيقن السنة كما في حديث‏:‏ خمس من الفطرة والواجب الوقوف على المتيقن إلى أن يقوم ما يوجب الانتقال عنه انتهى‏.‏ ‏(‏وقص الشارب‏)‏ أي قطع الشعر الثابت على الشفة العليا من غير استئصال، وسيأتي الكلام في هذه المسألة مفصلاً بعد باب ‏(‏ونتف الإبط‏)‏ بكسر الهمزة والموحدة وسكونها وهو المشهور وصوبه الجواليقي وهو يذكر ويؤنث، وتأبط الشيء وضعه الشيء تحت إبطه والمستحب البداءة فيه باليمنى، ويتأدى أصل السنة بالحلق ولا سيما من يؤلمه النتف، وقد أخرج ابن أبي حاتم في مناقب الشافعي عن يونس بن عبدالله الأعلى قال‏:‏ دخلت على الشافعي ورجل يحلق إبطه فقال‏:‏ إني علمت أن السنة النتف ولكن لا أقوى على الوجع‏.‏ قال الغزالي‏:‏ هو في الابتداء موجع ولكن يسهل على من اعتاده‏.‏ قال والحق كاف لأن المقصود النظافة، وتعقب بأن الحكمة في نتفه أنه محل للرائحة الكريهة وإنما ينشأ ذلك من الوسخ الذي يجتمع بالعرق فيه فيتلبد ويهيج، فشرع فيه النتف الذي يضعفه فتخف الرائحة به، بخلاف الحلق فإنه يقوي الشعر ويهيجه، فتكثر الرائحة لذلك‏.‏ وقال ابن دقيق العيد‏:‏ من نظر إلى اللفظ وقف مع النتف، ومن نظر إلى المعنى أجازه بكل مزيل، لكن بين أن النتف مقصود من جهة المعنى، فذكر نحو ما تقدم، قال وهو معنى ظاهر لا يهمل، فإن مورد النص إذا احتمل معنى مناسباً يحتمل أن يكون مقصوداً في الحكم لا يترك، والذي يقوم مقام النتف في ذلك التنور لكنه يرق الجلد، فقد يتأذى صاحبه به ولا سيما إن كان جلده رقيقاً، وتستحب البداءة في إزالته باليد اليمن ويزيل ما في اليمنى بأصابع اليسرى، وكذا اليسرى إن أمكن وإلا فباليمنى ‏(‏وتقليم الأظفار‏)‏ هو تفعيل من القلم وهو القطع، والأظفار جمع ظفر بضم الظاء والفاء وبسكونها، والمراد إزالة ما يزيد على ما يلابس رأس الأصبع من الظفر، لأن الوسخ يجتمع فيه فيستقذر، وقد ينتهي إلى حد يمنع من وصول الماء إلى ما يجب غسله في الطهارة‏.‏

قال الحافظ‏:‏ لم يثبت في ترتيب الأصابع عند القص شيء من الأحاديث لكن جزم النووي في شرح مسلم بأنه يستحب البداءة بمسبحة اليمنى ثم بالوسطى ثم البنصر ثم الخنصر ثم الإبهام، وفي اليسرى بالبداءة بخنصرها ثم بالبنصر إلى الإبهام‏.‏ فيبدأ في الرجلين يختصر اليمنى إلى الإبهام وفي اليسرى بإبهامها إلى الخنصر، ولم يذكر للاستحباب مستنداً‏.‏ انتهى كلام الحافظ وقد بسط الكلام في هذا المقام بسطاً حسناً‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد والشيخان وأبو داود والنسائي وابن ماجه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن مصعب بن شيبة‏)‏ بن جبير بن شيبة بن عثمان العبدري المكي الحجي، لين الحديث من الخامسة ‏(‏عن طلق‏)‏ بسكون اللام ‏(‏بن حبيب‏)‏ العنزي بصري صدوق عابد، رمى بالإرجاء من الثالثة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عشر من الفطرة‏)‏ فإن قلت‏:‏ ما وجه التوفيق بين هذا وبين حديث أبي هريرة المتقدم بلفظ خمس من الفطرة، قلت‏:‏ قيل في وجه الجمع أنه صلى الله عليه وسلم كان أعلم أولاً بالخمس ثم أعلم بالزيادة، وقيل الاختلاف في ذلك بحسب المقام فذكر في كل موضع اللائق بالمخاطبين، وقيل ذكر الخمس لا ينافي الزائد لأن الأعداد لا مفهوم لها ‏(‏وإعفاء اللحية‏)‏ هو أن يوفر شعرها ولا يقص كالشوارب من عفا الشيء إذا كثر وزاد يقال‏:‏ أعفيته وعفيته كذا في النهاية‏.‏ وفي حديث ابن عمر عند البخاري‏:‏ وفروا اللحى ‏(‏والسواك‏)‏ قال أهل اللغة‏:‏ السواك بكسر السين، وهو يطلق على الفعل وعلى العود الذي يتسوك، به وهو مذكر، وذكر صاحب الحكم أنه يؤنث ويذكر والسواك فعلك بالمسواك ويقال ساك فمه يسوكه سوكاً‏.‏ فإن قلت أستاك لم تذكر الفم وجمع السواك سوك بضمتين ككتاب وكتب، وذكر صاحب الحكم‏:‏ أنه يجوز سؤك بالهمزة‏.‏ قال النووي‏:‏ ثم قيل إن السواك مأخوذ من ساك إذا دلك وقيل من جاءت الإبل تستاك أي تتمايل هزالاً وهو في اصطلاح العلماء استعمال عود أو نحوه في الأسنان ليذهب الصفرة أو غيرها عنها ‏(‏والاستنشاق‏)‏ قال في المجمع‏:‏ استنشق أي أدخل الماء في أنفه بأن جذبه بريح أنفه واستنثر بمثناة فنون فمثلثة، أي أخرجه منه بريحه بإعانة يده أو بغيرها بعد إخراج الأذى لما فيه من تنقية مجرى النفس انتهى، والمراد هنا الاستنشاق مع الاستنثار، وقال فيه الاستنشاق في حديث‏:‏ عشرة من ا لفطرة يحتمل حمله على ما ورد فيه الشرع باستحبابه من الوضوء والاستيقاظ وعلى مطلقه وعلى حال الاحتياج باجتماع الأوساخ في الأنف، وكذا السواك يحتمل كلاً منها انتهى، ‏(‏وقص الأظفار‏)‏ أي تقليمها ‏(‏وغسل البراجم‏)‏ هي بفتح الباء الموحدة وبالجيم جمع برجمة بضم الباء والجيم، وهي عقد الأصابع ومفاصلها كلها وغسلها سنة مستقلة ليست بواجبة، قال العلماء ويلتحق بالبراجم ما يجتمع من الوسخ في معاطف الأذن وقعر الصماخ فيزيله بالمسح لأنه ربما أضرت كثرته بالسمع، وكذلك ما يجتمع في داخل الأنف وكذلك جميع الوسخ المجتمع على أي موضع كان من البدن بالعرق والغبار ونحوهما ‏(‏وانتقاص الماء‏)‏ بالقاف والصاد المهملة، وقد ذكر الترمذي تفسيره بأنه الاستنجاء بالماء وكذلك فسره وكيع في رواية مسلم‏.‏ وقيل معناه انتقاص البول بالماء باستعمال الماء في غسل المذاكير وقطعه ليرتد البول يردع الماء ولو لم يغسل لنزل منه شيء فشيء فيعسر الاستبراء والاستنجاء بالماء على الأول المستنجى به وعلى الثاني البول فالمصدر مضاف إلى المفعول، وإن أريد به الماء المغسول به، فالإضافة إلى الفاعل أي وانتقاص الماء البول، وانتقص لازم ومتعد، واللزوم أكثر، وقيل هو تصحيف والصحيح وانتفاض، بالفاء والضاد المعجمة والمهملة أيضاً، وهو الانتضاح بالماء على الذكر وهذا أقرب، لأن في كتاب أبي داود والانتضاح‏.‏ ولم يذكر انتقاص الماء كذا في المرقاة ‏(‏ونسيت العاشرة إلا أن تكون‏)‏ أي العاشرة ‏(‏المضمضة‏)‏ قال النووي‏:‏ هذا شك منه‏.‏ قال القاضي عياض‏:‏ ولعلها الختان المذكور مع الخمس وهو أولى انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن عمار بن ياسر وابن عمر‏)‏ أما حديث عمار بن ياسر فأخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه، وأما حديث ابن عمر فأخرجه البخاري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن‏)‏ وأخرجه أحمد ومسلم والنسائي‏.‏

فإن قلت‏:‏ كيف حسن الترمذي هذا الحديث، وفي سنده مصعب بن شيبة وهو لين الحديث‏:‏ وكيف أخرجه مسلم في صحيحه، قلت‏:‏ قال الحافظ في الفتح بعد ذكر هذا الحديث‏:‏ مصعب بن شيبة وثقه ابن معين والعجلي وغيرهما، ولينه أحمد وأبو حاتم وغيرهما، فحديثه حسن، وله شواهد في حديث أبي هريرة وغيره، فالحكم بصحته من هذه الحيثية سائغ انتهى‏.‏

1710- باب في التَوْقِيتِ في تَقْلِيمِ الأَظْفَارِ وَأَخْذِ الشّارِب

2833- حدثنا إِسْحَاقُ بنُ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنا عَبْدُ الصَمَدِ بن عبد الوارث، أَخْبَرَنا صَدَقَةُ بنُ مُوسَى أَبُو مُحمّدٍ صَاحِبُ الدّقِيقِ، أَخْبَرَنا أَبُو عِمْرَانَ الْجَوْنِيّ، عن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏أَنّهُ وَقّتَ لَهُمْ في كُلّ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً تَقْلِيمَ الأَظْفَار وَأَخْذِ الشّارِبِ وَحَلْقَ الْعَانَةِ‏"‏‏.‏

2834- حدثنا قُتَيْبَةُ، حدثنا جعفر بنُ سُلَيْمَانَ، عن أَبي عِمْرَانَ الْجَوْنِيّ، عن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ قَالَ‏:‏ ‏"‏وُقّتَ لَنَا رسول الله صلى الله عليه وسلم في قصّ الشّارِبِ وَتَقْلِيمِ الأَظْفَارِ وَحَلْقِ الْعَانَةِ وَنَتْفِ الإِبِطِ أَنْ لاَ نَتْرُكَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ يَوْماً‏"‏‏.‏

قال‏:‏ هَذَا أَصَحّ مِنَ الْحَدِيثِ الأَوّلِ وَصَدَقَةُ بنُ مُوسَى لَيْسَ عِنْدَهُمْ بالْحَافِظِ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا عبد الصمد‏)‏ هو ابن عبد الوارث بن سعيد بن ذكوان التميمي ‏(‏أخبرنا عمران الجوفي‏)‏ اسمه عبد الملك بن حبيب الأزدى البصري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أنه وقت‏)‏ أي بين عين ‏(‏لهم‏)‏ أي لأجلهم ‏(‏في كل أربعين ليلة‏)‏ فلا يجوز التأخير في هذه الأشياء عن هذه المدة‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا جعفر بن سليمان‏)‏ هو الضبعي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقت لنا‏)‏ بصيغة المجهول من التوقيت، قال النووي‏:‏ هو من الأحاديث المرفوعة مثل قوله‏:‏ أمرنا بكذا وقد تقدم بيان هذا في الفصول المذكورة في أول الكتاب انتهى‏.‏ وقد صرح في الرواية المتقدمة من حديث الباب بأن المؤقت هو النبي صلى الله عليه وسلم ‏(‏أن لا تترك أكثر من أربعين يوماً‏)‏ قال النووي‏:‏ معناه لا تترك تركاً تتجاوز به أربعين، لا أنه وقت لهم الترك أربعين‏.‏ قال والمختار أنه يضبط بالحاجة والطول، فإذا طال حلق انتهى‏.‏ قال الشوكاني‏:‏ بل المختار أنه يضبط بالأربعين التي ضبط بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يجوز تجاوزها ولا بعد مخالفاً للسنة من ترك القص ونحوه بعد الطول إلى انتهاء تلك الغاية انتهى‏.‏

فائدة‏:‏

قال الحافظ‏:‏ لم يثبت في استحباب قص الظفر يوم الخميس حديث وقد أخرجه جعفر المستغفري بسند مجهول ورويناه في مسلسلات التميمي من طريقه، وأقرب ما وقفت عليه في ذلك ما أخرجه البيهقي من مرسل أبي جعفر الباقر قال‏:‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستحب أن يأخذ من أظفاره وشاربه يوم الجمعة، وله شاهد موصول عند أبي هريرة لكن سنده ضعيف أخرجه البيهقي أيضاً في الشعب، وسئل أحمد عنه فقال‏:‏ يسن في يوم الجمعة قبل الزوال، وعنه يوم الخميس، وعنه يتخير، وهذا هو المعتمد أنه يستحب كيف ما احتاج إليه، انتهى كلام الحافظ بلفظه‏.‏

قلت‏:‏ حديث أبي هريرة الذي رواه البيهقي في الشعب ذكره السيوطي في الجامع الصغير بلفظ‏:‏ كان يقلم أظافيره ويقص شاربه يوم الجمعة قبل أن يروح إلى الصلاة‏.‏ قال المناوي هذا حديث منكر‏.‏

‏"‏فائدة أخرى‏"‏ قال الحافظ في سؤالات ههنا عن أحمد، قلت له يأخذ من شعره وأظفاره أيدفنه أم يلقيه‏؟‏ قال‏:‏ يدفنه، قلت‏:‏ بلغك فيه شيء‏؟‏ قال‏:‏ كان ابن عمر يدفنه‏.‏ وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بدفن الشعر والأظفار، وقال‏:‏ ‏"‏لا يتلعب به سحرة بني آدم‏"‏‏.‏

قال الحافظ‏:‏ وهذا الحديث أخرجه البيهقي من حديث وائل بن حجر نحوه، وقد استحب أصحابنا دفنها لكونها أجزاء من الاَدمي‏.‏ قال‏:‏ والترمذي الحكيم من حديث عبد الله بن بشر رفعه‏:‏ ‏"‏قصوا أظافركم وادفنوا أقلامكم ونقوا أبراجكم‏"‏، وفي سنده راو مجهول‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا أصح من الحديث الأول‏)‏ أي حديث جعفر بن سليمان عن أبي عمران أصح من حديث صدقة عن أبي عمران، وحديث صدقة بن موسى عن ابن عمران أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي، وحديث جعفر بن سليمان عنه أخرجه مسلم وابن ماجه‏.‏ قال القاضي عياض‏:‏ قال العقيلي في حديث جعفر هذا نظر‏.‏ قال وقال أبو عمر يعني ابن عبد البر‏:‏ لم يروه إلا جعفر بن سليمان وليس بحجة لسوء حفظه وكثرة غلطه‏.‏ قال النووي‏:‏ قد وثق كثير من الأئمة المتقدمين جعفر بن سليمان، ويكفي في توثيقه احتجاج مسلم به وقد تابعه غيره انتهى‏.‏ وقال الحافظ في الفتح بعد نقل كلام العقيلي وابن عبد البر ما لفظه‏:‏ وتعقب بأن أبا داود والترمذي أخرجاه من رواية صدقة بن موسى عن أبي عمران، وصدقة ابن موسى وإن كان فيه مقال لكن تبين أن جعفر لم ينفرد به، وقد أخرج ابن ماجه نحوه من طريق علي بن زيد بن جدعان عن أنس، وفي علي أيضاً ضعف وأخرجه ابن عدى من وجه ثالث من جهة عبد الله بن عمران شيخ مصري ن ثابت عن أنس لكن أتى فيه بألفاظ مستغربة قال‏:‏ أن يحلق الرجل عانته كل أربعين يوماً، وأن ينتف إبطه كلما طلع، ولا يدع شاربيه يطولان، وأن يقلم أظفاره من الجمعة إلى الجمعة‏.‏ وعبد الله والراوي عنه مجهولان انتهى‏.‏

1711- باب مَا جَاءَ في قَصّ الشّارب

2835- حدثنا مُحمّدُ بنُ عُمَرَ بنِ الْوَلِيدِ الكُوفِيّ الكِنْدِيّ، أَخْبَرَنا يَحْيَى بنُ آدَمَ، عن إِسْرَائِيلَ، عن سِمَاكٍ عن عِكْرِمَةَ عن ابنِ عَبّاسٍ قَالَ‏:‏ ‏"‏كَانَ النبيّ صلى الله عليه وسلم يَقُصّ أَوْ يَأْخُذُ مِنْ شَارِبِهِ‏.‏ وكَاَنَ إِبْرَاهِيمُ خَلِيلُ الرّحْمَنِ يَفْعَلُهُ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ‏.‏

2836- حدثنا أَحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ، أَخْبَرَنا عُبَيْدَةُ بنُ حُمَيْدٍ، عن يُوسُفَ بنُ صُهَيْبٍ عن حَبِيبِ بنِ يَسَارٍ عن زَيْدِ بنِ أَرْقَمَ أَنّ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ‏:‏ ‏"‏مَنْ لَمْ يَأْخُذْ مِنْ شَارِبِهِ فَلَيْسَ مِنّا‏"‏‏.‏

وفي البابِ عن المُغِيرَةِ بنِ شُعْبَةَ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

- حدثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ، أَخْبَرَنا يَحْيىَ بنُ سَعِيدٍ عن يُوسُفَ بنِ صُهَيْبٍ بِهَذَا الإِسْنَادِ نَحْوَهُ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا يحيى بن آدم‏)‏ أبو زكريا الكوفي ‏(‏عن إسرائيل‏)‏ هو ابن يونس الكوفي ‏(‏عن سِمَاك‏)‏ هو ابن حرب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كان النبي صلى الله عليه وسلم يقص أو يأخذ من شاربه‏)‏ شك من الراوي ‏(‏قال‏)‏ أي النبي صلى الله عليه وسلم ‏(‏وكان خليل الرحمن إبراهيم يفعله‏)‏ أي القص أو الأخذ أيضاً‏.‏ قال الطيبي‏:‏ يعني كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبع سنة أبيه إبراهيم عليه الصلاة والسلام كما ينبئ عنه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن‏}‏ قيل الكلمات خمس‏:‏ في الرأس والفرق وقص الشارب والسواك وغير ذلك، انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ ذكر الحافظ هذا الحديث في الفتح ونقل تحسين الترمذي وأقره‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا عبيدة‏)‏ بفتح أوله ‏(‏بن حميد‏)‏ الكوفي المعروف بالحذاء ‏(‏عن يوسف بن صهيب‏)‏ الكندي الكوفي ثقة من السادسة ‏(‏عن حبيب بن يسار‏)‏ الكندي الكوفي، ثقة من الثالثة كذا في التقريب‏.‏ وقال في تهذيب التهذيب في ترجمته‏:‏ روى عن زيد بن أرقم وغيره، وعنه يوسف بن صهيب وغيره أخرج له الترمذي والنسائي حديثاً واحداً في أخذ الشارب وصححه الترمذي انتهى ‏(‏عن زيد بن أرقم‏)‏ بن زيد بن قيس الأنصاري الخزرجي صحابي مشهور، أول مشاهده الخندق وأنزل الله تصديقه في سورة المنافقين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من لم يأخذ من شاربه فليس منا‏)‏ أي فليس من العاملين بسنتنا، وهذان الحديثان يدلان على جواز قص الشارب، واختلف الناس في حد ما يقص منه وقد ذهب كثير من السلف إلى استئصاله وحلقه لظاهر قوله‏:‏ أحفوا وانهكوا، وهو قول الكوفيين، وذهب كثير منهم إلى منع الحلق والاستئصال وإليه ذهب مالك وكان يرى تأديب من حلقه‏.‏ وروى عنه ابن القاسم أنه قال‏:‏ إحفاء الشارب مثلة‏.‏ قال النووي‏:‏ المختار أنه يقص حتى يبدو طرف الشفة‏.‏ ولا يحفيه من أصله، قال‏:‏ وأما رواية احفوا الشوارب فمعناها احفوا ما طال عن الشفتين، وكذلك قال مالك في الموطأ‏:‏ يؤخذ من الشارب حتى يبدو أطراف الشفة‏.‏ قال ابن القيم‏:‏ وأما أبو حنيفة وزفر وأبو يوسف ومحمد، فكان مذهبهم في شعر الرأس والشوارب أن الإحفاء أفضل من التقصير، وذكر بعض المالكية عن الشافعي‏:‏ أن مذهبه كمذهب أبي حنيفة في حلق الشارب‏.‏ قال الطحاوي‏:‏ ولم أجد عن الشافعي شيئاً منصوصاً في هذا، وأصحابه الذين رأيناهم المزنى والربيع كانا يحفيان شواربهما ويدل ذلك أنهما أخذاه عن الشافعي‏.‏ وروى الأثرم عن الإمام أحمد‏:‏ أنه كان يحفي شاربه إحفاءاً شديداً، وسمعته يسأل عن السنة في إحفاء الشارب فقال يحفى‏.‏ وقال حنبل قيل لأبي عبد الله‏:‏ ترى للرجل يأخذ شاربه ويحفيه أم كيف يأخذه‏؟‏ قال إن أحفاه فلا بأس، وإن أخذه قصاً فلا بأس‏.‏ وقال أبو محمد في المغنى‏:‏ هو مخير بين أن يحفيه وبين أن يقصه‏.‏ وقد روى النووي في شرح مسلم عن بعض العلماء أنه ذهب إلى التخيير بين الأمرين الإحفاء وعدمه‏.‏ وروى الطحاوي الإحفاء عن جماعة من الصحابة أبي سعيد وأبي أسيد ورافع بن خديج وسهل بن سعد وعبد الله بن عمر وجابر وأبي هريرة، قال ابن القيم‏:‏ واحتج من لم ير إحفاء الشوارب بحديث عائشة وأبي هريرة المرفوعين‏:‏ عشر من الفطرة، فذكر منها قص الشارب‏.‏ وفي حديث أبي هريرة أن الفطرة خمس وذكر منها قص الشارب‏.‏ واحتج المحفون بأحاديث الأمر بالإحفاء وهي صحيحة وبحديث ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحفي شاربه انتهى‏.‏ قال الشوكاني‏:‏ والإحفاء ليس كما ذكره النووي من أن معناه احفوا ما طال عن الشفتين، بل الإحفاء الاستئصال كما في الصحاح والقاموس والكشاف وسائر كتب اللغة‏.‏ قال ورواية القص لا تنافيه لأن القص قد يكون على جهة الإحفاء وقد لا يكون ورواية الإحفاء معينة للمراد وكذلك حديث‏:‏ من لم يأخذ من شاربه فليس منا‏.‏ لا يعارض رواية الإحفاء لأن فيها زيادة يتعين المصير إليها، ولو فرض التعارض من كل وجه لكانت رواية الإحفاء أرجح، لأنها في الصحيحين‏.‏ وروى الطحاوي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ من شارب المغيرة على سواكه قال‏:‏ وهذا لا يكون معه إحفاء، ويجاب عنه بأنه محتمل ودعوى أنه لا يكون معه إحفاء ممنوعة‏.‏ وهو إن صح كما ذكره لا يعارض تلك الأقوال منه صلى الله عليه وسلم انتهى‏.‏ وذهب الطبري إلى التخيير بين الإحفاء والقص وقال دلت السنة على الأمرين ولا تعارض، فإن القص يدل على أخذ البعض والإحفاء يدل على أخذ الكل، وكلاهما ثابت فيتخير فيما شاء انتهى‏.‏ قال الحافظ ويرجح قول الطبري ثبوت الأمرين معاً في الأحاديث المرفوعة‏.‏

قلت‏:‏ ما ذهب إليه الطبري هو الظاهر، وأما قول الشوكاتي ودعوى أنه لا يكون معه إحفاء ممنوعة الخ، ففيه أن الظاهر هو ما قال الطحاوي من أن هذا لا يكون معه إحفاء‏.‏

قال الحافظ‏:‏ بعد نقل حديث المغيرة بن شعبة عن سنن أبي داود بلفظ‏:‏ ضفت النبي صلى الله عليه وسلم وكان شاربي وفي فقصه على سواك ما لفظه‏:‏ واختلف في المراد بقوله على سواك فالراجح أنه وضع سواكاً عند الشفة تحت الشعر وأخذ الشعر بالمقص، قيل المعنى قصه على أثر سواك أي بعد ما تسوك، ويؤيد الأول ما أخرجه البيهقي في هذا الحديث قال فيه‏:‏ فوضع السواك تحت الشارب وقص عليه‏.‏ وأخرج البزار من حديث عائشة‏:‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم أبصر رجلاً وشاربه طويل، فقال ائتوني بمقص وسواك، فجعل السواك على طرفه، ثم أخذ ما جاوزه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن المغيرة بن شعبة‏)‏ أخرجه أبو داود والبيهقي والطحاوي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد والنسائي والضياء‏.‏

1712- باب مَا جَاءَ في الأَخْذِ مِنَ الّلحْيَة

2837- حدثنا هَنّادٌ، أَخْبَرَنا عُمَرُ بنُ هَارُونَ، عن أُسَامَةَ بنِ زَيْدٍ عن عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، عن أَبِيهِ عن جَدّهِ‏:‏ ‏"‏أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَأْخُدُ مِنْ لِحْيَتِهِ مِنْ عَرْضِهَا وَطُولِهَا‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ غريبٌ، وَسَمِعْتُ مُحمّدُ بنَ إِسْمَاعِيلَ يَقُولُ‏:‏ عُمَرُ بنُ هَارُونَ مُقَارِبُ الْحَدِيثِ لاَ أَعْرِفُ لَهُ حَدِيثاً لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ، أَوْ قالَ‏:‏ يَنْفَردُ بِهِ إِلاّ هَذَا الْحَدِيثَ، ‏"‏كَانَ النبيّ صلى الله عليه وسلم يَأْخُذُ مِنْ لِحْيَتِهِ مِنْ عَرْضِهَا وَطُولِهَا‏"‏، وَلاَ نَعْرِفُهُ إِلاّ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ بنِ هَارُونَ، وَرَأَيْتُهُ حَسَنَ الرّأْيِ في عُمَرَ بنِ هَارُونَ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ وَسَمِعْتُ قُتَيْبَةَ يَقُولُ‏:‏ عُمَرُ بنُ هَارُونَ، كَانَ صَاحِبَ حَدِيثٍ، وَكَانَ يَقُولُ‏:‏ ‏"‏الإِيمَانُ قَوْلٌ وَعَمَلٌ‏"‏ قالَ سَمِعْتُ قُتَيْبَةَ، أَخْبَرَنا وَكِيعُ بنُ الْجَرّاحِ، عن رَجُلٍ عن ثَوْرِ بنِ يَزيدَ أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم نَصَبَ المَنْجَنِيقَ عَلَى أَهْلِ الطّائِفِ‏"‏‏.‏ قالَ قُتَيْبَةُ‏:‏ قَلْتُ لِوَكِيعٍ‏:‏ مَنْ هَذَا‏؟‏ قالَ صَاحِبُكُمْ عُمَرُ بنُ هَارُونَ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عمر بن هارون‏)‏ بن يزيد الثقفي مولاهم البلخي، متروك، وكان حافظاً من كبار التاسعة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كان يأخذ من لحيته من عرضها وطولها‏)‏ بدل بإعادة العامل‏.‏ قال الطيبي‏:‏ هذا لا ينافي قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏اعفوا اللحى‏"‏، لأن المنهي هو قصها كفعل الأعاجم أو جعلها كذنب الحمام، والمراد بالإعفاء التوفير منها كما في الرواية الأخرى والأخذ من الأطراف قليلاً لا يكون من القص في شيء انتهى‏.‏

قلت‏:‏ كلام الطيبي هذا حسن إلا أن حديث عمرو بن شعيب هذا ضعيف جداً‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب‏)‏ وهو حديث ضعيف لأن مداره على عمر بن هارون وهو متروك كما عرفت‏.‏ قال الحافظ في الفتح بعد ذكر هذا الحديث أخرجه الترمذي ونقل عن البخاري أنه قال في رواية عمر بن هارون‏:‏ لا أعلم له حديثاً منكراً إلا هذا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ورأيته‏)‏ هذا قول الترمذي والضمير المنصوب لمحمد بن إسماعيل البخاري ‏(‏وكان صاحب حديث‏)‏ وقع في بعض النسخ كان صاحب حديث بغير الواو، وهو الظاهر ‏(‏أن النبي صلى الله عليه وسلم نصب المنجنيق‏)‏ بفتح ميم وجيم وسكون نون بينهما‏:‏ ما يرمي به الحجارة، قاله في المجمع‏.‏ وقال في القاموس‏:‏ المنجنيق بكسر الميم آلة ترمي بها الحجارة كالمنجنوق معربة، وقد تذكر فارسيتها من جه نيك، أي أنا ما أجودني، جمعه منجنيقات ومجانق ومجانيق انتهى ‏(‏من هذا‏)‏ أي من هذا الرجل الذي تروي حديث المنجنيق عنه ‏(‏قال‏)‏ أي وكيع ‏(‏صاحبكم عمر ابن هارون‏)‏ أي المذكور في سند حديث الباب‏.‏

فإن قلت‏:‏ ما وجه ذكر الترمذي في هذا المقام حديث المنجنيق‏؟‏ قلت‏:‏ لعل وجه ذكره ههنا أن يتبين أن الرجل المذكور في حديث المنجنيق هو عمر بن هارون المذكور في سند حديث الباب، أو وجه ذكره أن يتبين أن وكيعاً مع جلالة قدره، قد روى عن عمر بن هارون حديث المنجنيق والله تعالى أعلم‏.‏

‏"‏تنبيه‏"‏ روى أبو داود في المراسيل، عن ثور عن مكحول‏:‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم نصب على أهل الطائف المنجنيق‏.‏ ورواه الترمذي فلم يذكر مكحولاً ذكره معضلاً عن ثور‏.‏ وروى أبو داود من مرسل يحيى بن أبي كثير قال‏:‏ حاصرهم رسول الله شهراً‏.‏ قال الأوزاعي‏:‏ فقلت ليحيى، أبلغك أنه رماهم بالمجانيق‏؟‏ فأنكر ذلك وقال‏:‏ ما نعرف ما هذا انتهى كذا في التلخيص‏.‏